الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

وهم عصيٌّ على الفهم!

تركيا قالت وفعلت، وإيران قالت وفعلت، والغرب يقول ويدين ويستنكر ولا يفعل، والعرب كانوا يقولون ولا يفعلون، واليوم لا يقولون ولا يفعلون، وكأن العرب أصبحوا شاةً لا يضرها سلخها بعد ذبحها، فهذه الأمة العربية ماتت ولم تشبع موتاً بعد، وما يجري الآن من كل القوى الدولية والإقليمية، ليس سوى ضرب في الميت، والضرب في الميت ليس عند هذه القوى حراماً، وما يجري الآن ليس سوى تمثيل بالجثة بعدما اكتملت تماماً عملية القتل لفكرة الأمة العربية، والقومية العربية، والوحدة العربية، والتضامن العربي، والجامعة العربية، والأشقاء العرب.
كل هذه الأفكار والمصطلحات منذ انطلقت إبان الحقبة المسماة الناصرية وحقبة ما يسمى المد القومي، كانت دوماً افتراضية هتافية حنجرية وهمية، ولم يكن لها وجود قط على أرض الواقع، لم ترق حتى إلى مرتبة الحلم، بل كانت مجرد فيلم عربي مُهلهل، ومفكك، وذي سيناريو ركيك، وكل أبطاله مراهقون، وبعد حين من الدهر انتقلت فكرة العروبة إلى فيلم آخر مراهق، لكنه هذه المرة دام مرعباً عابساً، إذ حلت الخناجر محل الحناجر، فيما يعرف زوراً وبهتاناً بالمد الديني، أو المد الإسلامي، وصار القوميون إسلاميين، وصار الفدائي جهادياً واستشهادياً، وصار الرفيق أخاً في الله، وجاء هذا الفيلم أيضاً مهلهلاً وركيكاً، وعندما تبددت فكرة القومية العربية، حلت محلها فكرة الأممية الإسلامية والخلافة الإسلامية، وكل ذلك مجرد وهم وخرافة وعناوين براقة للطائفية والقبلية، ودخلنا في فتنة كبرى جديدة لا تبدو لها نهاية.
وبعد أن كنا نغني لوحدة عربية افتراضية، أصبحنا الآن نبحث عن وحدة دول عربية تفككت، وانتهى فيلم وحدة الأمة وأنتجنا فيلماً آخر هو البحث عن وحدة كل دولة على حدة.. إنه الخروج من نفق مظلم إلى نفق أكثر ظلاماً، ومع ذلك لا تزال رذيلة إنكار الواقع والتشبث بحلم زائف تحول إلى كابوس.. ما زلنا نهتف للعروبة والأمة الواحدة والتضامن والأشقاء، ولا يزال العرب أسرى أوهام لم نشهد لها أي ظل على أرض الواقع، ولا أمل في شفاء مريض ينكر مرضه ويقول: «أنا في صحة جيدة وعافية تامة»، فالمسألة تجاوزت الحلم والكابوس والفيلم، وصرنا في وهمٍ يستعصي على الفهم.