السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

العودة إلى الجذور

منذ عقود والإمارات تسير بخطى حثيثة في محاولات جادة ورصينة وحقيقية هادفة للعودة إلى الجذور، والأصل هنا هو الرجوع إلى القراءة من خلال التشجيع عليها وتوفير مستلزماتها وأدواتها، وهذه المحاولة الجادة هي تيار معاكس لعملية التجهيل والتسطيح الفكري الممنهجة منذ عقود طويلة والتي أدت لنتائج كارثية في بعض مجتمعاتنا العربية نراها حولنا اليوم. من هذا المنطلق نعلم جيداً أنها مسؤولية عظيمة تنادت لها الكثير من الأيادي البيضاء في دولة الإمارات لتحمل لواءها وترفع المشاعل ضد الأمية والجهل والظلام، إنه تطعيم ضد الجهل من خلال مشاريع كبيرة منها حملة أمة تقرأ وحملة توفير خمسة ملايين كتاب وغيرها الكثير. الجهل آفة كل زمان، ومردُّ كل الآثام والشرور التي صاحبت البشرية عبر التاريخ، وقد قسمه علماء الاجتماع لثلاثة أقسام: جهل بسيط وهو الفهم المنقوص للمسائل والأمور دون الإحاطة الكاملة بها، وجهل كامل وهو عدم العلم بشيء، والثالث هو جهل مركّب أي فهم الأمر خلاف ما هو عليه. وهو الفهم المغلوط والمنقوص وهذا أسوأ لا بل أخطر أشكال الجهل، وتسمية جاهل يطلقها عامة الناس على من لا علم له بشيء وهو يناقش ويجادل فيه، وهذه هي آفة هذا الزمان، والقرآن الكريم ذكر لفظ الجهل بمعنى الاعتقاد الفاسد بالعلم والمنطق. الجهل عكس الحلم والحكمة والعقل، وهو يعني «تحكيم القوة»، ومن هنا جاءت تسمية ما قبل الإسلام بالجاهلية لأنها كانت فترة تغليب القوة والعصبية القبلية أي حكم القوي على الضعيف. ولكن بمرور الوقت أصبحت بمعنى عدم المعرفة، عامة الناس يطلقونها على من لا علم له بمسألة ويجادل فيها، فيقال هذا جاهل بالأمر. إن حركات التنوير على مر العصور والتي ذكرها لنا التاريخ جوبهت بمقاومة كبيرة وهي نتيجة طبيعية لكل توجه وإرادة نحو التجديد والتغيير الذي يبدأ دوماً بالدعوة إلى التعليم والقضاء على الأمية، فالإنسان المتعلم يستطيع فهم ما يدور حوله من خلال القراءة والاطلاع لتنمية مداركه، ولكن هذا ليس بكافٍ وحده خصوصاً أن حركة النشر تراجعت في عالمنا العربي بمعدلات مخيفة في العقود الأخيرة، ما يعني بالضرورة تراجع معدلات القراءة عند الجمهور وأدى ذلك إلى انحسار وضيق الأفق الثقافي والمعرفي عند حدود ضيقة تنحصر في وسائل التواصل الحديثة والمطبوعات الإعلامية، وهذه لن تكون بديلاً للثقافة والاطلاع بأي حال من الأحوال. ومن هذا المنطلق والمفهوم هناك دوماً مسؤولية تاريخية تقع على عاتق المثقفين والمفكرين كمفهوم حضاري اخترعته الإنسانية كمؤسسة كبيرة لتنظيم العلاقات بين البشر والارتقاء بمداركهم ليكونوا فاعلين. هو غرس مستمر لابد من متابعته وديمومته من أجل أجيال تعقبها أجيال سترى وتحصد نتائجه من بعدنا، لأن الطريق طويل وغير معبد وأُهْمِل عقوداً طويلة مضت أضرت كثيراً بالمسيرة الثقافية والحضارية، فالفن والثقافة مرآة الشعوب ومقياس رقيها وتحضرها. نظرة لما وصلنا إليه كفيلة بفهم الواقع من غير بيان، فنحن لا نستطيع أن ننسلخ عن العالم من حولنا، فطوبى لكل من يشعل شمعة لينير بها ظلمة الجهل وليبني أنفساً وعقولاً.