السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

شجاعة تعليم أبوظبي تفتح أبواب التعليم الجاد

على طريق تقرير «أمة في خطر» الذي أعلنته أمريكا بعد أن تقدمها الروس في الفضاء، وكان التقرير ردة فعل لمعالجة وضع التعليم الأمريكي، يعلن مجلس تعليم أبوظبي وبشجاعة نتائج الاختبارات التي يوضح فيها أن نسبة كبيرة من الطلاب لم يجتازوا الاختبارات، وهذا لا يعني الرسوب ولا الفشل، بل هذا يعني أن المجلس لديه مصداقية وواقعية في مواجهة التحديات التي تواجه التعليم في أبوظبي، والذي يطمح أن يكون على رأس قائمة أنظمة التعليم في العالم. كلمة السر قيادات الإمارات بدون استثناء تركز على التعليم بشكل كبير وتعطيه أهمية قصوى، لأن الإمارات التي تسير في برنامج تنمية الإنسان والمكان بسرعة كبيرة تتسابق فيه الإنجازات مع الزمان، يجعل المفاجأة بعد الأخرى تخرج لنا من دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنها تعمل وفق معطيات العصر وتدرك أهمية التعليم في تحقيق طموحها الوطني والعربي والدولي، وهي تستثمر جميع مواردها في وضع الإنسان الإماراتي على رأس الهرم العالمي، الذي تنافس عليه الإمارات في مجالات عديدة. وكلمة السر لنجاح الإمارات في نشيدها الوطني الذي يقسم فيه الجميع على أن الإخلاص هو طريق الخلاص، ولهذا فإن هذه الأمة الإماراتية المخلصة تستحق أن يُنظر إلى تجربتها الناجحة في إحداث نقلة نوعية في جميع المجالات، وفي أسرع فرصة مقارنة بغيرها، ولعل في بداية ما يجب التركيز عليه هو منظومة القيم والأخلاق، وهي مفاهيم تعزز السلوك وتضبط الممارسة، على أن تكون منطلقة من الثوابت والمرجعيات الوطنية، التي تحافظ على الهوية الوطنية وتعزز الوحدة والولاء والانتماء والشعور بالفخر والاعتزاز بالوطن وتاريخه وجذوره ومؤسساته ورموزه المختلفة، على أن تكون هذه المعطيات وفق سياسة تعليمية دقيقة للتعليم بجميع مؤسساته الحكومية والأهلية، وأن تعتمد هذه السياسة على اللغة الوطنية التي يتم بها إعادة إنتاج المجتمع، وتتحقق بها الوحدة الوطنية وتكافؤ الفرص والمساواة بين الأفراد، وأكثر من هذا ربط الأجيال القادمة بتاريخها وهويتها وجغرافيتها، مع أهمية تعليم وتعلم اللغات الأجنبية. شواهد النجاح وإذا كان القسم العظيم بالإخلاص شعار الدولة ومواطنيها، فليس بعد الإخلاص إلا النجاح والفلاح والتفوق والتميز، وشواهد الإمارات الناجحة واضحة في كل الميادين، ولن أنسى حين فازت إمارة دبي بعقد تشغيل موانئ نيويورك، الذي أذهل أمريكا وغيرها، وأقدر أقول أحرجها، مما دفع أمريكا إلى عدم الموافقة لأسباب كثيرة. ولأن التعليم هو الهيكل العظمي الذي ينتج الكوادر الوطنية التي تقود وتعمل في جميع المؤسسات، لهذا وجب أن يكون على أعلى مستوى في بيئته وأنظمته وخططه ومناهجه والكوادر العاملة فيه والتجهيزات التي توضع فيه. مع إخضاع كل عناصر العملية التعليمية للتقييم والتدريب المستمرين، وذلك لتلافي الترهل الذي قد يصيب المؤسسات التعليمية، ويسبب ضعف الخطط التعليمية المعدة بعناية لضمان جودة ونوعية المخرجات. ومن هذا المنطلق، يجب أن يكون التقويم المستمر الذي يعتمد على معايير وضوابط تقيس جميع عناصر العملية التعليمية وفي مقدمتها المنهج والمعلم والخطة الدراسية، وأساليب التدريس والاختبارات والمعايير الدقيقة التي تقدم التغذية الراجعة، والتي في ظلها نعيد تصحيح الأخطاء أو العناصر الضعيفة في العملية التعليمية، ثم يأتي دور الطالب والأسرة بعد أن نكون قد أسسنا لهما نظاماً تعليمياً قوياً، الطالب مستفيد والأسرة مستفيدة والدولة مستفيدة من نظام التعليم، ولفهم العلاقة نعطي مثالاً بسيطاً، المصنع الذي يصنع أي منتج عبارة عن مصنع له مواصفات دقيقة، وله آليات أو أجهزة يشرف عليها متخصصون يتم اختيارهم بعناية لضمان عملها، ثم التحقق من عمل كل الأجهزة وارتباطها ببعض داخل المصنع، ولكل مرحلة من مراحل التصنيع معايير وأدوار تقوم بها تلك الأجهزة والأقسام لتجهيز المنتج للمرحلة التي تليها داخل المصنع حتى يخرج المنتج النهائي، ثم يتم اختباره والتأكد من مطابقته لكل المعايير والمقاييس وصلاحيته للتسويق. توسيع الدائرة ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التسويق والتوزيع وقياس صلاحية المنتج للمستهلك، ثم كيفية توسيع دائرة الإنتاج وتحديد المستفيدين والأخذ باحتياجاتهم، والتعليم هو الصيغة نفسها حيث المدرسة والجامعة (البيئة التعليمية) هي المصنع المكون من الإدارة والأساتذة والمنهج والأنظمة التعليمية والخطة الدراسية والاختبارات والمقاييس، وهذا المصنع يجب أن يكون ضمن مواصفات ومعايير تضبط عمله وتضمن صلاحية وجودة منتجاته، لهذا فإن إعلان النتائج التي صدمت البعض يجب أن تكون منطلقاً لوضع نظام تعليمي محكم يؤدي في آخر المطاف إلى مخرجات تعليمية مؤهلة بالمعارف والمهارات والقدرات، التي تجعلها قادرة على المنافسة على جميع المستويات. ويحمل الجميع بما في ذلك المسؤولية والشركة في بناء المواطن الصالح. ولا يمكن أن تكون المدرسة وحدها هي المسؤولة عن هذا المنتج وهم الطلاب والطالبات، ولكن الأسرة شريك رئيس في ضبط هذه العملية ونجاحها. ولا بد من تحمل المسؤولية من قبل الأسرة في تنفيذ الخطط والمشاريع التعليمية من خلال دليل للأسرة يوضح الواجبات والمسؤوليات المشتركة بينها وبين المدرسة، ويتم التوقيع عليه كعقد بين الأسرة وبين المدرسة حتى لا يكون هناك خلل في العملية التعليمية لأنها مسألة تكاملية. نعم الأسرة اليوم تتسبب في ضعف الأبناء والبنات، لعدم قدرة الأسرة على معرفة الدور المطلوب منها تجاه الأبناء والبنات، وأيضاً لعدم استيعاب أهمية مسألة التعليم في إحداث التغيير الإيجابي للفرد والأسرة والمجتمع والدولة. ولعل البعض قد بالغ في رفاهية أبنائهم وبناتهم فأفسدوهم، ولهذا يجب أن نقتدي بدول العالم المتقدم التي تضع حدوداً للرفاهية عند الطلاب، ومنها استخدام التقنية في مجالات تؤثر على سلوكهم وممارساتهم وعلى ثقافتهم، وتهدد القيم والثوابت والمرجعيات الوطنية، وعمر بن الخطاب يقول علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل، كما يقول أيضاً «اخشوشنو فإن النعم لا تدوم». وحتى تتم هذه العلاقة بنجاح يجب سن قوانين وأنظمة فيها إلزام للجميع، لتحمل مسؤولياتهم وإشعارهم بأنهم جميعاً شركاء في إنتاج مواطن صالح يستطيع أن يكون لبنة في البناء الوطني، وعاملاً مهماً في التنمية الوطنية التي تقودها الدولة بحكمة ورؤية واضحتين. تقارير دقيقة والقاعدة الذهبية للتعليم تقول «يجب أن يرتفع الناس إلى مستوى التعليم، لا أن ينزل التعليم إلى مستوى الناس»، كما يجب أن يفتح التعليم أبوابه بساعات إضافية للمتطوعين من المعلمين ومن الطلاب والطالبات المتفوقين والجامعيين، لإعطاء دروس إضافية للزملاء والزميلات الذين يحتاجون لوقت أكثر في التعليم نتيجة الفروق الفردية، واختلاف التخصصات وأيضاً الرغبة في تعلم علوم أو مهارات أخرى في غير مجال دراستهم التعليمية. نعم يجب أن تكون هناك سلسلة تقارير بشكل دقيق تعطي خلفية عن الصعوبات التي تواجه كل دارس أو معلم أو موضوع دراسي أو مدير أو مدرسة أو أسرة.. نعم نريد تقييماً يأخذ في الاعتبار دور الأسرة في إنجاح العملية التعليمية. وبالتقييم المستمر والمراجعة سوف تكون هناك نتائج مذهلة، خصوصاً أن الجميع يخضع لرقابة من الأنظمة والتشريعات والمعايير، التي تضبط إيقاع العملية التعليمية وتتحكم في عناصرها المختلفة. كما يجب أن يكون هناك تدريب على رأس العمل أثناء الخدمة للأساتذة والمعلمين والمعلمات دون أن يفرغوا لمثل هذه الدورات، بل يجب أن يكون التدريب جزءاً أساساً من تقييم وتأهيل الأفراد والمؤسسات، على أن يرتبط التقييم ببعض الحوافز والعقوبات لمن لا ينضبط في إطار العملية التعليمية ويسهم في إنجاحها. هيئة وطنية للقياس وقبل أن أختم هذه المداخلة السريعة، أقترح تأسيس هيئة وطنية إماراتية للقياس والتقويم متخصصة بتطوير التعليم العام والجامعي ومراقبته، وتكون مستقلة ولها صلاحيات واسعة في إصدار التقارير والدراسات وإصدار التوصيات، وأن تكون مرتبطة مباشرة بمجلس الوزراء، خصوصاً أن التعليم هو العمود الفقري للدولة ومؤسساتها. لهذا نشد على أيدي العاملين في مجلس تعليم أبوظبي، وعلى شجاعتهم في إخراج هذه النتائج، وإحداث الصدمة بهدف معالجة المشكلات وتحمل المسؤوليات من قبل الجميع. وسوف نرى نتائج هذه الشجاعة قريباً على المستوى الدولي في جميع التخصصات. هذا ما نتمناه من جميع أنظمتنا التعليمية في الوطن العربي، بأن تتحلى بالجرأة والمواجهة لمشكلات التعليم والإصرار على الجودة والنوعية، لأن متطلبات العصر في تغير مستمر، وتستدعي التغيير والتطوير المستمر في الأنظمة التعليمية ومحتوياتها وكوادرها.. وحتى تخرج الكوادر المنافسة والقادرة على تحمل مسؤولياتها في سوق العمل، وفي التنمية الوطنية أسوة بالإمارات التي تقودها قيادات الإمارات بنجاح. عشتم وعاشت الإمارت العربية المتحدة .. رمز التقدم والتطور والمنافسة والطموح المستمر.