الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

حين لا ينصت لك جيداً إلا الورق

أمام الجملة التي فُصِّلَ قلبها وقالبها بدقة متناهية، نقف معجبين. ويكون على الصورة التي تغني عن ألف كلمة الانتظار لبعض الوقت. لكن لا يعني ذلك ألا يكون للجملة البسيطة أي تأثير. وإن لم يمثل التحدث معضلة لمعظمنا، إلا أن الكتابة تبدو أمراً بالغ التعقيد بالنسبة للبعض. تنطلق الفكرة من نقطة بداية، بحثاً عن نقطة تقف عندها ليكتمل معناها. وكأننا نصل خطاً مستقيماً بين نقطتين لتولد تلك الفكرة. وفي الوقت الذي يخلق الكاتب من نقاط أفكاره أشكالاً ثلاثية الأبعاد، طويلة تلامس الفضاء وعميقة يصعب اختصارها في كلمات، والذي يصل به الصحافي بين نقاط أفكاره ليبني جسوراً توصلنا لمناطق نائية أو مخفية، ليس مطلوباً من البقية سوى أن نصل بين كل نقطتي فكرة انطلقت من منظورنا الخاص لتمثل رأياً خاصاً بنا. لم نكن يوماً فقراء أفكار، ونعلم جيداً أن اللغة وقواعدها ليست حاجزاً يحول بيننا وبين التعبير عن أنفسنا. لكن كم شخصاً من بيننا يود ألا يُطلب منه الكتابة عن فكرته بجمل مترابطة وبعدد محدود من الكلمات؟! ولأنه يحق لكل منا أن يكتب عن كل ما يجول بخاطره بلغة سليمة، فلماذا يتنازل الكثير عن ذلك الحق ويضعون بينهم وبين الكتابة سور صين عظيم؟ لكل منا قضية يقف بشغف خلفها. وإن لم يُصرّح بذلك لنفسه بصوت عالٍ. لكن لطالما بحث أصحاب قضايا مهمة عمن يكتب بالنيابة عنهم فكرة أو طرحاً معيناً. وإن أخبرتك بأنه لن يوصل شخص آخر فكرتك بطريقة أفضل منك، وبأنه لك حرية اختيار طول وشكل ولون الخط الذي سيصل بين طرفي فكرتك، فلم تبقيها حبيسة في رأسك؟ تشبهنا الكلمات في أنها تأنس ببعضها الآخر. ومهما كانت لغتنا العربية بارعة في باب ما قل ودل؛ إلا أنه ما إن نبدأ بالكتابة حتى تستحضر الكلمات المكتوبة ما يلائمها من مخيلتنا ومخزوننا اللغوي، وحينها ستبدو الفكرة المكتملة خطاً أنيقاً بين نقطتيه. ما يفصلكَ عن عالم من الخطوط غير المنتهية هو جملتك الأولى فقط، فماذا تنتظر؟