الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لا تكن ساقط المتاع

حالة عارمة من الانبهار العام تجتاح كثيراً من الناس في عالم افتراضي لا يكاد يُعرف عن المبهور فيه سوى كلام منمق. التعظيم والتبجيل المبالغ فيه يتحوّل في نهاية المطاف على الأغلب إلى نكبة. علقت إحدى المتابعات الكريمات في تويتر على تغريدة لي بهذا الخصوص قائلة «يفترض بالتبجيل أن يعني الاحترام مع بقاء مساحة النقد مفتوحة وما سوى ذلك فهو حصانة للفساد».وقالت أخرى «مهما كان الشخص أعلى منك منصباً أو أعلى بالمستوى المعيشي، فليس من داعٍ لتبجله بشكل مبالغ فيه».وأدرجت ثالثة «لا يوجد شخص مثالي، لا أنت ولا أنا ولا حتى أكثر الناس جمالاً ونجاحاً على الكوكب، المثالية شيء يتعذر بلوغه».لا يوجد شخص نستطيع القول عنه إنه مثالي ويعيش معنا، فالكل قد تكون لديه ثغرات وعقبات أو استشراف، حتى «أنا»، لذا أتمنى ألا ننبهر بكل أحد بسبب ما يُقدم. قبل أن تنبهر بأي شخصية اقرأ عنها واقرأها واسمع منها وبعدها احكم، قبل أن تتحوّل إلى لاقط لما يتفوه به الآخرون. كثيرة هي تلك القصص التي انبهرنا فيها بشخصيات، وهذه الشخصيات لم تكن إلا مبتزة لمتابعيها بحلاوة وعذابة الأسلوب. أيها المنبهرون أوقفوا انبهاركم، وحكموا العقل والقلب والمنطق فيما تستقبلون من كلام الناس، لأن هناك من يستغل محبة وعواطف آخرين وجهل البعض أو سذاجتهم، لذا لا تكونوا لقمة. التنظير شيء والتطبيق شيء آخر، فإن كنت أيها المُنظر غير قادر على التطبيق في مجتمعك فلا تنشر تنظيرك وأنت توحي بمعايشتك له، فتوهم المتابعين أن تنظيرك محقق في حياتك وهو في الحقيقة معدوم التطبيق. يفترض أن يسود أفكار التنظيريين الوضوح والدقة لتكون عملية وتتبعها طرق للحلول لا البحث في المشكلات من دون علاج. العلاقة بين التنظير والتطبيق علاقة تكاملية لمن يسعى للنجاح، فالتنظير لأفكار لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع لا يعدو أن يجعلها جسداً من دون حياة، كما أن الحراك الذي لا يقوم على فكر رشيد وسليم ليس إلا خبط عشواء وجهداً بلا طائل أو جدوى. نحن بحاجة إلى النهوض للجمع بين نضج النظرية الفكرية وسلاسة التطبيق، ونحن أيضاً بحاجة للتكامل والتلاحم لتحقيق الرؤية، فمن دون ذلك يبقى المشروع التنظيري غير مكتمل الأركان ويبقى حلم النهوض والرفعة بعيد المنال. [email protected]