الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

استثمار الضواحي وحماية المزارعين معضلة تنتظر رئيس فرنسا المقبل

لم يعد يفصل بين الفرنسيين والجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية سوى أيام معدودات، ولا تزال الرؤية الكاملة حول مرشح بعينه غير واضحة لأسباب عدة في مقدمتها تقارب البرامج الانتخابية للمرشحين، وعدم قدرة أي منهم على طرح حلول مقنعة للعديد من الملفات المهمة بالنسبة للناخبين. إلا أن هناك بعض القضايا التي يتوقع أن تشكل عقبة أمام رئيس فرنسا المقبل، بصرف النظر عن شخصيته أو التيار السياسي الذي ينتمي إليه، وتأتي في مقدمة هذه القضايا الحفاظ على الأراضي الزراعية وحقوق المزارعين، والعمل على طرح جديد للاستثمار في التكدس السكاني في الضواحي التي تتقاطع ثقافتها اليوم مع المجتمع الفرنسي لأسباب كثيرة أبرزها الشعور بالتهميش. وكثيراً ما عُرّفت السياسة بأنها علم تنظيم المدينة، لكنها باتت تعني اليوم القدرة على التنقل من مدينة إلى مدينة أو من مكان لآخر في جميع أنحاء الأرض، وهو ما أدى إلى اغتيال المناظر الطبيعية في المناطق الحضرية كافة، وهو ما نتج عنه تضرر المدن بشدة وفقدانها إلى جوهرها. من هذا المنطلق، رأى المحلل الفرنسي جان نوفيل في حديث لصحيفة لوموند الفرنسية، أن بلداً مثل فرنسا الذي طالما تميز بتراثه المعماري القديم ومشاهده الرائعة، قد تبدل تماماً بسبب العولمة وسيطرة الشركات الكبرى التي نافست بشراسة صغار المزارعين وهو ما دفع البعض منهم لهجر أراضيه لمصلحة الدولة، مما أفرز أزمات زراعية لا حصر لها. وهذا الملف تحديداً لم يكن يوماً ضمن أولويات رؤساء فرنسا، على مدى عقود، فجميعهم عجزوا عن تنظيم المدن الفرنسية والحفاظ عليها، وإيجاد أفضل الحلول لخلق مساحات سكانية جديدة، والنتيجة هي تدهور أوضاع الأراضي الزراعية التي باتت مهددة دائماً بالزحف العمراني. ويرتبط هذا الملف بشكل مباشر بالهجرة ويمثل حساسية خاصة تجاهها لدى المتخصصين. فقد كان من المفترض أن يكون دور السياسة الأول هو الرؤية والتحليل والتنبؤ، غير أن تجنب تحمل المسؤولية الحقيقية تحت أي ظروف جعل توفير حياة للقادمين الجدد وللأسر الوافدة شيئاً يحدث بعشوائية ومن دون أي ترتيبات مسبقة. وتأتي القرارات دائماً لتصلح على نطاق صغير، ومعظمها يفتقر إلى التقنية والإدارة، ولا يعدو كونه مجرد تطبيق أعمى للقواعد المجردة، مما ترتب عليه المشكلات كافة الخاصة بالضواحي بدءاً من التلوث القاتل في بعض الأحيان نهاية بالعزل الاجتماعي الذي أفرز التشدد والكراهية، وهذا هو التحدي الثاني أمام الرئيس القادم. وظلت حكومات اليمين واليسار على مدى نصف قرن تتجاهل نداءات علماء الاجتماع ومخططي المدن، حتى بلغت درجات الغليان سواء من قبل المهاجرين أو المزارعين لدرجة الاستعداد الدائم للانفجار تحت وطأة الشعور بالظلم الاجتماعي المتزايد. باختصار، هذان الملفان يشكلان نقاط ضعف لدى كل رئيس لفرنسا. واليوم تحاول مارين لوبن زعيمة التشدد العزف على وتر المزارعين، إلا أنها في الوقت ذاته تتعمد هضم حقوق المهاجرين أبناء الضواحي الفرنسية، وتغيب كذلك أي حلول واعية حولهما عن برامج بقية المرشحين.