الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الديون ترهن جيبوتي للقوى التجارية العالمية

الديون ترهن جيبوتي للقوى التجارية العالمية

تثير سياسات جيبوتي، صاحبة الموقع الاستراتجي الذي تمر عبره نحو ثلث حركة الملاحة البحرية العالمية من وإلى قناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي، غضب ليس فقط الإمارات العربية المتحدة، وإنما أيضاً فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى كثيرة .

فقبل أيام فقط، قضت محكمة لندن بتغريم جيبوتي 385 مليون دولار لانتهاكها حقوق شركة موانئ دبي في محطة دوراليه المملوكة بنسبة 33.34 في المئة من قبل شركة موانئ دبي العالمية وبنسبة 66.66 في المئة من قبل «بورت دي جيبوتي أس إيه».

والغضب نفسه عبر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته لجيبوتي في شهر مارس الماضي، عندما قال إن باريس صاحبة النفوذ التاريخي التقليدي في أفريقيا لا ترغب في أن ينتهك جيل جديد من المستثمرين الدوليين سيادة شركائنا التاريخيين ويضعفوا اقتصاداتهم، محذراً من أن ما قد يبدو إيجابياً على المدى القصير ربما يصبح سلبياً على المديين المتوسط والبعيد.

وربما كان مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أشد حدة وأكثر صراحة عندما اتهم في ديسمبر الماضي حكومة جيبوتي بالغرق في مستنقع الديون الصينية والخضوع لإرادة بكين واستخدام الرشا والاتفاقات الغامضة لنقل السيطرة على محطة دوراليه، مشيراً إلى أن فتح الباب أمام المستثمرين الصينيين للسيطرة على المحطة يعني تغير ميزان القوى في منطقة القرن الأفريقي التي تتحكم في ممرات التجارة البحرية بين الشرق الأوسط وأوروبا وجنوب شرق آسيا لصالح الصين التي تنفذ مبادرة الحزام والطريق للسيطرة على طرق التجارة العالمية.

وليس غريباً والأمر كذلك أن جيبوتي تستضيف قواعد عسكرية لكل من الصين والولايات المتحدة واليابان وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا.

وتشكل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها جيبوتي مدخلاً مهماً لفهم الدوافع التي تحرك حكومة للانقلاب على حقوق المستثمرين الدوليين.

وتشير إحصاءات صندوق النقد الدولي إلى أن إجمالي الناتج المحلي للبلاد في عام 2017 كان أقل من 1.8 مليار دولار فقط، ما يعني أن نحو 79 في المئة من إجمالي سكان البلاد، التي تقل مساحتها عن 23 ألف كيلومتر مربع، والبالغ عددهم مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر، من بينهم 42 في المئة يعيشون في فقر مدقع.

وبحسب الصندوق، يمثل رعي الأغنام مصدر الدخل لنحو ثلث سكان البلاد التي لا تملك من الموارد الطبيعية سوى الملح والجبس ويتعين عليها استيراد نحو 90 في المئة من احتياجاتها الغذائية من الخارج.

واختارت حكومة جيبوتي أن تطبق استراتجية طموحة للاستثمار في البنية التحتية لتطوير الاقتصاد وجعل البلاد مركزاً لوجيستياً وتجارياً، بما يوفر فرصة للنمو والتنمية.

غير أن الخطأ القاتل الذي وقعت فيه حكومة جيبوتي أنها قررت تمويل هذه الخطة الطموحة عبر الاستدانة المفرطة، حيث وصل حجم الدين إلى إجمالي الناتج المحلي في نهاية عام 2018 نحو 104 في المئة، وفي ظل عجز الحكومة عن سداد الديون المستحقة للشركات الصينية، ورفض الأخيرة لإعادة الجدولة، فإن البديل الوحيد المتاح أمامها هو تحويل هذه الديون إلى حقوق ملكية للشركات الصينية التي لا ترغب في أن ينافسها أحد في الساحة.

وأرتفع الدين العام لجيبوتي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي لبلاد خلال العامين الماضيين من 55 في المئة إلى 85 في المئة، والنسبة الأكبر من هذه الديون مستحقة للشركات الصينية المملوكة للحكومة.

وحتى تتمكن حكومة الرئيس إسماعيل عمر من الخروج من هذا المأزق بدأت في تطبيق برنامج لتحديث البنية التحتية للبلاد بقيمة 12.4 مليار دولار قدم أغلبها بنك الصادرات والواردات الصيني، وأصبحت الصين تملك حصصاً كبيرة في أغلب المشروعات، بما في ذلك المجمع الصناعي الدولي، وهو منطقة للتجارة الحرة تملك سلطة ميناء داليان الصيني عشرة في المئة من أسهمها، فيما تملك شركة الموانئ التجارية الصينية القابضة نسبة 30 في المئة من الأسهم، فيما تملك شركة القرن الأفريقي للاستثمارات التابعة لموانئ جيبوتي النسبة الباقية.

وتملك شركة الموانئ التجارية الصينية نسبة 23.5 في المئة من أسهم شركة جيبوتي القابضة، التي تملك بدورها محطة دوراليه للحاويات التي بدأت التشغيل في العام الماضي بعد أن قدم بنك أكسيام الصيني قرضاً لها بقيمة 580 مليون دولار.

والشيء نفسه ينطبق أيضاً على خط السككك الحديدة الذي يربط جيبوتي وإثيوبيا والممول بقروض صينية ميسرة، والذي ترغب بكين من خلاله في أن تحول الشريط الحدودي الفاصل بين جيبوتي وإثيوبيا إلى منطقة تجارة حرة تشبه منطقة التجارة الحرة بين إقليم شينزهين الصيني وهونغ كونغ.

وتظهر هذه الأرقام أن اقتصاد جيبوتي أصبح اسيراً للقروض الصينية، وأن القرار الحقيقي في تسيير شؤون البلاد لم يعد في يد الحكومة بقدر ما هو في يد بكين التي توجه دفة الأمور إلى ما يحقق مصالحها.