الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

«ياندكس» رهان روسيا في تكنولوجيا البحث على الإنترنت

عندما يبحث أي شخص حول العالم عن المعلومات عبر الإنترنت، فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه على الفور محرك «غوغل» الشهير، والحقيقة أن عملاق البحث يسيطر على غالبية عمليات البحث في العالم وبنسبة هائلة تفوق أي منافس إلا في دولتين فقط، الأولى هي الصين، والتي تمتلك مواقعها التقنية الخاصة، سواء في البحث أو حتى في الشبكات الاجتماعية لكنها لا تستخدم إلا نادراً خارج الحدود الصينية، أما الدولة الثانية فهي روسيا التي تمتلك محرك «ياندكس»، والذي ينمو بسرعة كبيرة ويحقق نجاحاً خارج دولته الأم بطريقة تفوق أغلب التوقعات.

ظهر موقع Yandex في التسعينات، ولكن الموقع الذي يطلق عليه الخبراء اسم «غوغل الروسي» تطور بسرعة وتجاوز فكرة خدمات البحث عبر الإنترنت إلى كونه أحد عمالقة تكنولوجيا المعلومات العالمية حالياً، ومثل منافسه الشهير من «سيلكون فالي» فإن الموقع الروسي يقدّم حالياً مجموعة واسعة من الخدمات تتجاوز فعلياً ما يقدمه غوغل خاصة داخل روسيا.

قال مؤسس ورئيس ياندكس أركادي فولوز، في تصريحات صحفية منذ سنوات قليلة: «يحب الناس في الغرب أن يطلقوا علينا اسم غوغل الروسي، ولكن في حقيقة الأمر نحن أكثر من ذلك بكثير، فنحن شركة أوبر الروسية، ونحن شركة سبوتفاي الروسية، ونحن الكثير من الأشياء الأخرى داخل روسيا».


عندما تأسس الموقع، احتاج فولوز إلى شراء مساحة تخزين لا تتجاوز 4 جيغا بايت (كانت تكلف آلاف الدولارات في ذلك الوقت) لبدء المشروع عام 1997، وكان وقتها مجرد مشروع تعمل عليه شركة الاتصالات كومبتك التي أسسها فولوز قبل ذلك بعشرة أعوام، وخلال 20 عاماً تحول المشروع إلى عملاق تقني تمكّن من جمع أكثر من 1.3 مليار دولار من أول طرح للشركة في البورصة عام 2011، وهو رقم لا يبتعد كثيراً عن 1.7 مليار دولار الذي حققته غوغل من أول طرح لها.


وعلى الرغم من أن ياندكس هو شركة روسية بالأساس، إلا أنها بدأت في اجتذاب العديد من اللاعبين الكبار الذين صنعوا أسماءهم خارج روسيا، حيث يدير أقسام البحث والتطوير موظفون سابقون عملوا في مايكروسوفت وغوغل، وعلى الرغم من اعتبار الشركة أن منافسها الأول هو شركة غوغل إلا أنها مع ذلك اختارت أن يكون التوسع أفقياً داخل روسيا من دون المنافسة الدولية في المرحلة الحالية.

ولا تعتمد الشركة على المواهب التقنية الروسية فقط، فهناك مثلاً «ديفيد تالبوت» الباحث في اللغات الذي عمل سابقاً في غوغل، يرأس الآن خدمات الترجمة في ياندكس، ويعمل تالبوت في فريق يرأسه ميخائيل بيلينكو الذي قام سابقاً بتطوير منصة لتعليم الآلة لصالح مايكروسوفت، وهو حالياً يرأس قسم الأبحاث والذكاء الصناعي في ياندكس.

تقدم ياندكس حالياً معظم الخدمات التي تقدمها غوغل، مثل البحث، والبحث عن الصور، والترجمة، والبريد الإلكتروني، والمتصفح الخاص، وإضافة إلى تفوقها على غوغل في حصة محركات البحث داخل روسيا، فهي تحقق صعوداً متزايداً بنسب الاستخدام حول العالم منذ تقديم خدماتها باللغة الإنجليزية، ولكن إضافة إلى تلك الخدمات التي يهتم بها المستخدم العادي، تقدم الشركة الكثير من الخدمات المتخصصة وتعمل على تطوير العديد من تقنيات المستقبل، الأمر الذي يجعلها قادرة على منافسة الشركات العالمية خارج حدود روسيا إذا اتخذت هذا القرار.

مثلاً، في عام 2017 افتتحت الشركة مكتبتها الخاصة بتقنيات تعلم الآلة، كما أطلقت الخدمات السحابية التي تهدف لمساعدة الشركات على تطوير التطبيقات، وهذا الأمر ربما ينتهي بامتلاك الشركة نسختها الخاصة من تطبيقات التعرف إلى الكلام.

أيضاً تعتبر ياندكس الواجهة الروسية لتقديم السيارات ذاتية القيادة للعمل على الطرقات، حيث أطلقت الشركة نسخة تجريبية من التاكسي ذاتي القيادة ليعمل في مدينة كازان عاصمة منطقة تتارستان الروسية، في تجربة تتشابه مع تجربة «وايمو» التي قدمتها غوغل في ضواحي فينيكس الأمريكية، ومنذ عدة شهور، أطلقت الشركة الروسية أيضاً تطبيق موبايل يعمل على تحرير الخرائط التي تقدمها الشركة، وهذا التطبيق يقدم للمستخدم وسيلة لتحسين وتحديث الخرائط المتاحة بالفعل.

والأكثر من ذلك، أن تقنيات الذكاء الصناعي التي تعمل عليها الشركة تستطيع تأليف المقطوعات الموسيقية، ففي مؤتمر تقني روسي عقد عام 2017، شهد حفل الافتتاح عزف مقطوعة موسيقية تحاكي أسلوب «ألكسندر سكريابن» تم تأليفها عبر برنامج كمبيوتر للاحتفال بذكرى ميلاد المؤلف الشهير. كما تدعم الشركة أيضاً مشروعاً تاريخياً تم تصميمه ليحاكي شكل الشبكات الاجتماعية يحمل اسم Project1917 وجاء إطلاقه في الذكرى الـ 100 للثورة الروسية باللغة الإنجليزية، حيث يهدف إلى تسجيل وقائع ما حدث خلال تلك الثورة في المدن الروسية.

تطورت ياندكس بما يتجاوز بمراحل عمليات البحث، فهي الآن تعمل في مجال الترجمة الآلية، كما تبيع المنتجات وتوصلها إلى المستهلك، وتوصل الأطعمة، وتوفر خدمات التاكسي، وتقدم قاعدة بيانات هائلة للأفلام السينمائية (باللغة الروسية فقط)، كما أنها تساعد المستخدم على التعليم الذاتي وتوفير التدريب متعدد الموضوعات، والحقيقة أنها بالفعل أصبحت جزءاً دائماً من مناحي الحياة المختلفة للمواطن الروسي، إضافة لتقديم العديد من الخدمات الأخرى لبقية العالم.

ومثلما تعرف شبكات البحث والوسائل الاجتماعية الكثير عن «أنشطة» المستخدمين، فإن ياندكس هي الأخرى تمتلك قاعدة بيانات هائلة تضم كل ما يمكن تخيله عن «سلوك» المستخدم، خاصة مع تداخلها الكبير في معظم أنشطة الإنترنت للمواطن الروسي، ويتم تغذية تقنيات الذكاء الصناعي في الشركة بتلك البيانات، الأمر الذي يسمح بتطورها أكثر وأكثر.

خلال الشهور القليلة الماضية، أطلقت ياندكس خدمات التاكسي في ليتوانيا، وقبلها كانت تلك الخدمة قد انطلقت في كل من لاتفيا وإستونيا، وعلى الرغم من أنه لا توجد مفاجأة كبيرة في عمل عملاق التكنولوجيا الروسي في الجمهوريات التي كانت فيما سبق جزءاً من الاتحاد السوفييتي، إلا أن المفاجأة هي في ازدياد نشاط الشركة داخل تركيا التي كانت العلاقات التاريخية بينها وبين روسيا متوترة.

أطلقت الشركة موقعها باللغة التركية عام 2011، واعتبر الخبراء أن تلك الخطوة تمثل أول حركة من الشركة الروسية باتجاه الأسواق الغربية، إلا أن أحد مسؤولي الشركة ينفي هذا الأمر قائلاً إنها مجرد محاولة أولى للدخول في الأسواق والعمل بغير اللغة الروسية.

وعلى الرغم من الانتشار المتصاعد لاستخدام محرك البحث الروسي، خاصة بعد تقديم واجهة الاستخدام باللغة الإنجليزية، إلا أن فولوز يقول إن الشركة لن تحاول المنافسة مع بقية محركات البحث الدولية خارج روسيا حتى تتغير قوانين المنافسة التجارية، ولكنه في الوقت نفسه لا يبدو أنه سيتوقف عن تجربة تقنيات جديدة.

* صحفي مصري مهتم بتأثير اتجاهات التكنولوجيا على المشهد الإعلاميالموقع انطلق منذ 22 عاماً وتفوّق على عملاق البحث الأمريكي

«ياندكس» يطور تقنيات ذكاء صناعي قادرة على تأليف المقطوعات الموسيقية

الشركة الروسية تجتذب خبراء دوليين وتحقق صعوداً سريعاً في الأسواق الخارجية

*ياندكس في المنطقة العربية

بالنسبة للمستخدم في المنطقة العربية، فإن ياندكس يمثل تجربة مختلفة للتعامل مع محركات البحث، فإذا فشلت في الحصول على ما تبحث عنه عبر غوغل أو ياهو، فيمكنك تجربة محرك بحث ياندكس الذي يتعامل مع اللغة العربية بسهولة، فربما تجد ما تبحث عنه هناك.