الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«ويكيليكس» القصة الكاملة في اختراق السرية والقرصنة الإلكترونية

«ويكيليكس» القصة الكاملة في اختراق السرية والقرصنة الإلكترونية
بعد سبع سنوات كاملة من اللجوء إلى سفارة إكوادور في لندن، انتهت رحلة «جوليان أسانج» مؤسس موقع «ويكيليكس» الذي أثار الكثير من الجدل والمشكلات منذ ظهوره، بموافقة إكوادور على تسليم الناشط إلى السلطات البريطانية التي كانت تطارده لتسليمه إلى السويد، قبل أن تدخل الولايات المتحدة على الخط وتطالب بتسليمه إليها لمحاكمته بتهمة «القرصنة الإلكترونية»، ولكن ما قصة موقع «ويكيليكس» الذي ألقى الكثير من الأحجار في المياه الراكدة؟

ظهر موقع «ويكيليكس» عام 2006 كمؤسسة تناهض السرية التي تفرضها الحكومات العالمية، وكمركز يسمح للنشطاء بتسريب المعلومات والوثائق الحكومية بشكل سري لا يمكن فيه تتبع صاحب المعلومة الأصلي، وبحلول عام 2015، نشر الموقع أكثر من عشرة ملايين وثيقة بعضها مصنف تحت بند «سري للغاية»، أما المنظمة التي تقف وراء ويكيليكس والتي كان أسانج اللاعب الرئيس فيها، فتقول إن هدفها هو «تقديم الأخبار والمعلومات المهمة للجمهور.. حتى يتمكن القراء والمؤرخون على حد السواء من رؤية أدلة على حقائق الأشياء»، ولكن منذ اللحظات الأولى لظهور ويكيليكس واجه انتقادات عنيفة من الحكومات والمسؤولين الأمنيين وأجهزة الاستخبارات باعتبار أن ما تقوم به المنظمة أمر «غير مسؤول».

أما أجهزة الخوادم «السيرفرات» التي تكون هذا الموقع فهي توجد في عدد من الدول حول العالم بما في ذلك آيسلندا والسويد، حيث تحمي قوانين تلك البلاد معلومات المالك، وحق الإفصاح، الأمر الذي يجعلها خارج نطاق جهود الملاحقة التي تقوم بها السلطات الأمريكية على وجه الخصوص لإغلاقه، إلا أن هذا الأمر لم يمنع وزارة العدل الأمريكية من إطلاق تحقيق جنائي في «ويكيليكس» ومؤسسها المعروف «جوليان أسانج» بعد أن سرب الموقع ونشر عدداً كبيراً من البرقيات الدبلوماسية عام 2010.


ويقع الخادم الرئيس للموقع في السويد، وهو الموقع الذي تعرض كثيراً لهجمات حجب الخدمة DOS، حيث يتم إغراق الخادم بالطلبات التي تمنع وصول الجمهور إليه، فيما تعرضت المؤسسة في ديسمبر الماضي إلى ضربة أخرى عندما تم منعها من الحصول على خدمة اسم النطاق DNS وهي الخدمة التي تعمل على تحويل إشارات الإنترنت من اسم الموقع إلى عنوان IP الذي يوجد به الجهاز الفعلي الذي يحتوي على البيانات.


ومع ذلك، ومن خلال الاحتفاظ بنسخ متطابقة من خوادمها في 507 أماكن مختلفة حول العالم – كما أوضحت مجلة ساينتفك أمريكان- فإن الموقع يستمر في الوجود على شبكة الإنترنت، كما تنفذ المؤسسة عملية تقنية معقدة، حيث تغذي حواسب «ويكيليكس» مئات الآلاف من الطلبات الزائفة عبر جميع أنحاء شبكتها لإخفاء الوثائق الحقيقية وتشفيرها، وكذلك وجهتها النهائية لحماية تلك الوثائق.

جاءت أولى ضربات «ويكيليكس» الكبرى عام 2010، عندما نشرت مجموعة ضخمة من المعلومات السرية المسربة إليها عن طريق «برادلي ماننيج» المحلل بمخابرات الجيش الأمريكي - والذي غير جنسه لاحقاً وسمى «تشيلسي ما ننينج»- الذي سرب أكثر من 700 ألف وثيقة مصنفة «سرية» تتعلق بالحروب في العراق وأفغانستان، إضافة إلى أكثر من 251 ألف برقية دبلوماسية من السفارات الأمريكية، وأكثر من 482 ألف تقرير من الجيش.

وكان أحد التسريبات المدمرة لسمعة الجيش الأمريكي هو فيديو حمل اسم «قتل مباشر» والذي يصور هجوماً بطائرة أباتشي الأمريكية على عدد من المواطنين المدنيين غير المسلحين في العراق كان من بينهم صحفيان يعملان لصالح وكالة «رويترز» للأنباء، وجعلت العاصفة التي تلت تسريب هذا الفيديو أسماء «ويكيليكس» و«أسانج» معروفة على نطاق واسع في معظم أنحاء العالم.

وجاء التسريب الضخم عبارة عن أكثر من 91 ألف وثيقة تتعلق بالحرب الأمريكية في أفغانستان، وسلمت «ويكيليكس» نسخة من تلك الوثائق المثقلة بالمعلومات إلى عدد من الصحف الكبرى من بينها «الغارديان» البريطانية و«نيويورك تايمز» الأمريكية، وهي الصحف التي نشرت قصصاً مؤثرة حول قيام عناصر الجيش الأمريكي بقتل المئات من المواطنين المدنيين في العديد من الحوادث التي لم يتم توثيقها، اعتماداً على وثائق «ويكيليكس».

ولكن تلك «الضربة الإعلامية» تراجعت إلى الظل بعد ظهور ما يسمى بسجلات حرب العراق، والتي تضمنت ما يقرب من 392 ألف تقرير ميداني حول تلك الحرب، والتي تم اعتبارها أكبر تسريب في تاريخ الجيش الأمريكي على الإطلاق، وسجلت هذه التقارير مصرع أكثر من 66 ألف مواطن مدني وهو رقم يتجاوز بكثير كل الأرقام الرسمية المعلنة من قبل.

وكشفت الأوراق أن هناك أكثر من 700 مدني لقوا مصرعهم عند نقاط التفتيش الأمريكية بما في ذلك عدد من النساء الحوامل. وأظهرت الوثائق أيضاً حالات تعذيب للسجناء على يد القوات العراقية المتعاونة مع الجيش الأمريكي، وأن السياسة المطبقة في هذا الإطار هي تجاهل هذه الحالات.

لاحقاً، أطلق موقع «ويكيليكس» مجموعات من البرقيات الدبلوماسية من السفارات الأمريكية حول العالم، بما في ذلك الكثير من التقييمات الصريحة لعدد من حلفاء الولايات المتحدة، كما كشفت تلك البرقيات عن عمليات تجسس للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على «كوفى عنان» الأمين العام السابق للأمم المتحدة.

حوكمت «ماننينج» وصدر حكم بإدانتها وسجنها لمدة 35 عاماً بتهمة انتهاك قوانين التجسس، ولكن تم إطلاق سراحها عام 2017 بعد أن خفف الرئيس الأمريكي السابق «باراك أوباما» فترة العقوبة.

ولم تتوقف تسريبات «ويكيليكس» عند حدود الولايات المتحدة فقط، ولكنها تجاوزتها إلى نشر مواد تتعلق بفضح عمليات التخلص من النفايات السامة في «كوت ديفوار»، والكتيبات الداخلية لديانة «السينتولوجي»، ونصوص الإجراءات المتبعة في معسكر اعتقال «غوانتانامو»، ومؤخراً نشرت «ويكيليكس» مجموعة من الوثائق تزعم أن الحكومة البريطانية ساعدت المخابرات المركزية الأمريكية في اختراق أجهزة تلفزيون سامسونغ الذكية وتحويلها إلى «ميكرفونات» للتجسس.

وذكرت تقارير أن مشاهدي التلفزيون عرضة للتجسس عبر فيروس داخل أجهزة التليفزيون يسمى «الملاك الباكى».

وأظهرت الوثائق أن هناك برمجية تم تطويرها على يد المخابرات المركزية الأمريكية لاختراق أجهزة الموبايل الذكية، وأجهزة الكمبيوتر والسيارات التي يستخدمها المواطن العادي، وكشفت الوثائق التي حملت اسم Vault 7 كيف تم تطوير برنامج التجسس على يد رؤساء أجهزة المخابرات في بريطانيا والولايات المتحدة.

وقال عملاء للمخابرات البريطانية إنهم تعرضوا لمخاطر واسعة بعد نشر تلك الوثائق المصنفة «سرية».

ونشرت «ويكيليكس» أيضاً عدة آلاف من الرسائل الإلكترونية لحملة «هيلاري كلينتون» الانتخابية في الأسابيع الأخيرة للسباق نحو البيت الأبيض، ودافع أسانج عن هذا النشر نافياً أي رابط بينه وبين روسيا وأي ادعاءات حول محاولة «ويكيليكس» التأثير في المصوتين قبل الانتخابات.

وفي يوليو 2017، نشر الموقع 20 ألف رسالة بريد إلكترونية من حملة «إيمانويل ماكرون» الانتخابية أثناء الصراع على مقعد الرئاسة الفرنسية، وألقت هذه الرسائل الشكوك حول موقفه الصارم في قضية «بريكست» عندما كشفت أنه تلقى نصيحة بالبقاء قريباً من إنجلترا وأن هذا الأمر هو «أولوية قصوى» لفرنسا، حيث إن بريطانيا هي أهم لاعب عسكري في أوروبا.

وفي سبتمبر 2017، أصدرت «ويكيليكس» مجموعة تسريبات حملت اسم «ملفات جواسيس روسيا» والتي كشفت مساعدة شركة تقنية في بطرسبرغ تدعى «خدمات بيتر» أجهزة الدولة في جمع بيانات تفصيلية عن مستخدمي الهواتف المحمولة الروسية، وتم وصف تلك التقنية بأنها جزء من نظام وطني للمراقبة عبر الإنترنت يسمى «نظام أنشطة التحقيق التشغيلي SORM».

وفى يناير 2019، بدأ المدعي العام الأمريكي في الضغط على أحد الشهود للإدلاء بشهادته ضد أسانج الأمر الذي كان إشارة لبناء قضية ضده في الولايات المتحدة، وقالت «ويكيليكس» فى بيان: «يكشف الطلب للمرة الأولى أن المدعين الأمريكيين قد تواصلوا رسمياً خلال الأشهر القليلة الماضية مع أشخاص في الولايات المتحدة وألمانيا وآيسلندا وضغطوا عليهم للإدلاء بشهاداتهم ضد أسانج مقابل الحصانة من المقاضاة». وأضاف أن هذه الاتهامات القضائية رُفعت سراً من إدارة ترامب.

وربما تفسر تلك التحركات الخطوة التي انتهت بالقبض على أسانج بعد 2487 يوماً قضاها داخل سفارة الإكوادور في لندن، حيث من المنتظر أن تدور معركة قانونية حول تسليمه إلى الولايات المتحدة التي تريد أن تحاكمه بتهمة القيام «بأكبر تسريب للمعلومات السرية في تاريخ الولايات المتحدة».

* صحفي مصري مهتم بتأثير اتجاهات التكنولوجيا في المشهد الإعلامي