الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

2019 .. عام الضائقة المالية الأخطر للاقتصاد الإيراني

شهدت إيران عبر أربعة عقود من الزمن عواصف الحرب والعقوبات وانهيار أسعار النفط، ولكنها لم تشهدعاماً أصعب من عام 2019 الذي تدل المؤشرات الاقتصادية كافة على أنه سيكون عام الضائقة العظيمة للاقتصاد الإيراني مع انتهاء استثناءات تصدير النفط اعتباراً من الخميس.

وفي الواقع، فإن الدمار الذي يعاني منه الاقتصاد الإيراني حالياً لا يوازيه سوى الدمار الذي شهدته إيران في ذروة الحرب الإيرانية العراقية مطلع الثمانينات وذروة العقوبات الأمريكية على طهران عام 2012.

وبكلمات الرئيس الإيراني حسن روحاني ذاته، فإن الاقتصاد الإيراني يواجه أسوأ أزمة منذ أربعة عقود بسبب العقوبات التي تخنق اقتصاد بلاده وتمس حياة المواطن الإيراني.


وليس هناك ما يصوّر حجم الأزمة الاقتصادية في إيران سوى مشهد الإيرانيين الذين يصطفون في طوابير طويلة خلال الساعات الأولى من الفجر للحصول على اللحوم المدعمة التي تقدمها المتاجر المملوكة للحكومة.


والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الخيارات التي تملكها إيران لمواجهة هذه العقوبات الخانقة؟

والإجابة ببساطة هي أن إيران لا تملك خيارات تذكر للتعامل مع العقوبات في ظل السيطرة الأمريكية المطلقة على صناعات التأمين والنقل البحري والبنوك، والتي تبطل جميع الحيل التي تعلمتها إيران لتهريب النفط في الجولات السابقة من العقوبات.

ولو استخدم المسؤولون الإيرانيون حيل بيع النفط مباشرة من خلال القطاع الخاص وناقلات الشبح التي تعطل عمداً أنظمة تشغيلها لتفادي الرادار والهروب من المراقبة، فإن حصيلة الصادرات ستكون ضئيلة للغاية ولن تمنع الاضطرابات السياسية والاجتماعية المتوقعة من الجماهير الجائعة.

ويبدو أن إدارة الرئيس ترامب احتاطت لهذه الثغرات، حيث شملت العقوبات هذه المرة أسماء نحو 700 مؤسسة وشخصية لعبت أدواراً مهمة في تهريب النفط الإيراني في الجولات السابقة من العقوبات.

كما أن إدارة ترامب تهدد مشتري النفط الإيراني بعقوبات صارمة في حال انتهاك العقوبات الأمريكية، وتسعى لتأمين بدائل تمنعهم من شراء النفط الإيراني مهما عرضت طهران من إغراءات وتخفيضات.

* 390 مليار دولار خسائر الاقتصاد الإيراني

توقع تقرير حديث لصندوق النقد الدولي أن ترتفع نسبة التضخم في إيران إلى 50 في المئة العام الجاري، وهو أعلى مستوى لها منذ عام 1980، مقارنة بتوقعات سابقة تشير إلى أن نسبة التضخم ستقف عند 37 في المئة.

وبحسب الصندوق، فإن إجمالي الناتج المحلي لإيران سيتراجع العام الجاري ستة في المئة بعد أن تراجع العام الماضي أربعة في المئة خلال العام الثاني من الركود.

وقبل تطبيق العقوبات الاقتصادية على إيران، بلغت حصيلة صادرات النفط الإيراني نحو 50 مليار دولار سنوياً، وانخفضت بعد تطبيق العقوبات بنحو 40 مليار دولار سنوياً قبل أن يمحو إلغاء الاستثناءات العشرة مليارات المتبقية، لتصبح حصيلة إيران من صادرات النفط التي تشكل نحو 80 في المئة من إجمالي إيرادات الخزانة الإيرانية صفراً.

حتى قبل أن يقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الأسبوع الماضي وقف العمل بالاستثناءات الممنوحة لثماني دول من حظر تصدير النفط الإيراني، فقدت العملة الإيرانية أكثر من 66 في المئة من قيمتها، لتقف كتفاً إلى كتف مع عملات السودان وفنزويلا وزيمبابوي.

وتشير التقديرات إلى أن إجمالي خسائر الاقتصاد الإيراني منذ عقوبات 2012 حتى عام 2016 فقط تراوحت بين 310 و390 مليار دولار في صورة إنتاج غير متحقق بسبب عدد من العوامل في مقدمتها تراجع الصادرات النفطية وانحسار تدفقات الاستثمارات الأجنبية وحجب المعرفة والتقنيات الحديثة.

ورغم أن العقوبات تركت بصمات واضحة على الاقتصاد الإيراني، سواء في جولتها الأولى عام 2012 أو في جولتها الثانية عام 2018، إلا أن العقوبات الاقتصادية ليست إلا عنصراً واحداً من عناصر منظومة الضعف والاهتراء التي تنخر عظام الاقتصاد الإيراني والتي تفوق في تأثيرها السلبي تأثير العقوبات ذاتها.

ويعاني الاقتصاد الإيراني من اختلالات هيكلية بسبب تبديد الموارد الشحيحة على مغامرات التوسع والهيمنة الخارجية ورداءة القرار الاقتصادي، على نحو يؤجل الحل ويفاقم الأزمات ويتسبب في الحرمان لقطاعات واسعة من الشعب الإيراني تعيش تحت خط الفقر.

وأدى الفساد المنتشر في جميع قطاعات الدولة إلى عجز الحكومة عن سداد ديونها للبنوك والتي وصلت إلى رقم فلكي تجاوز 286 ألف مليار تومان نهاية شهر يوليو الماضي، وهو يزيد بنسبة 22.4 في المئة مقارنة بيوليو 2017 والذي كان يُقدر بنحو 231.7 ألف مليار تومان.

وتتفاقم أزمة البطالة الإيرانية بصورة خاصة لدى الشباب الذين لا يجد ثلثهم تقريباً فرص عمل حتى من يحملون درجة الدكتوراه منهم، وهو ما يسهم في تأجيج عدم رضاهم عن الوضع الاقتصادي المحلي، ويفسر غلبة الفئة الشابة على المشاركة في الاحتجاجات.

وتحتاج إيران إلى خلق مليون فرصة عمل جديدة سنوياً للإبقاء على معدلات بطالة في حدود عشرة في المئة، حيث ارتفع معدل البطالة إلى مستويات قياسية تصل في بعض التقديرات إلى متوسط سنوي نسبته 203 في المئة في نهاية 2018.

32 % ارتفاع أسعار السلع الغذائية

لم يكن غريباً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية أن تشهد إيران في السنوات القليلة الماضية سلسلة مظاهرات شعبية ضخمة، رفع المتظاهرون خلالها لافتات تطالب لأول مرة بإسقاط النظام الذي بدّد بسياساته الخاطئة مدخراتهم وتركهم فريسة لغلاء طاحن يعجزون معه حتى عن شراء الغذاء والدواء والكساء.

ويعيش نحو تسعة ملايين إيراني بنسبة 11 في المئة من سكان إيران البالغ عددهم 80 مليوناً تحت خط الفقر المدقع، والذي يعني عدم القدرة على توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والملبس والمسكن والتعليم، ما أدى إلى انتشار الجوع وسوء التغذية، بالإضافة إلى ذلك هناك نحو 30 في المئة أي ما يعادل نحو 24 مليوناً يعيشون تحت خط الفقر النسبي.

وهذه الأرقام أقل بكثير من الأرقام الحقيقية التي تصل إلى 40 مليون نسمة من العمال وأسرهم، حيث يتقاضى معظم العمال أجوراً متدنية جداً.

وعلى سبيل المثال، فإن سعر كيلو الدجاج ارتفع خمس مرات، كما أن أسعار قائمة طويلة من السلع الأساسية مثل الأرز والحليب والدقيق تضاعفت.

ويشير تقرير صادر عن البنك المركزي إلى زيادة أسعار السلع الأساسية 32 في المئة في العام الماضي، حيث ارتفع الأرز بنسبة 21.7 في المئة، وزادت الحبوب بنسبة 27.5 في المئة، والفواكه الطازجة 5.1 في المئة، والخضراوات الطازجة 7.3 في المئة.

كما زادت اللحوم الحمراء بنسبة 13.5 في المئة وارتفع الدجاج 23.9 في المئة، وقفز السكر والشاي 12.9 في المئة، وارتفعت الزيوت النباتية 8.4 في المئة، ومنتجات الألبان 9.7 في المئة.

الريال في أدنى مستوى

فقد الريال الإيراني (التومان) نحو 75 المئة من قيمته منذ عام 2018 نتيجة تطبيق العقوبات،حيث وصل سعره في السوق السوداء إلى 170 ألف تومان مقابل الدولار لأول مرة في تاريخه، مقارنة بسعر الصرف الرسمي الذي حددته الحكومة والذي يبلغ 43 ألفاً، ما أدى إلي إشعال نيران التضخم.ولا يشكل التراجع الأخير سوى حلقة واحدة في سلسلة التراجعات المتوالية التي تشهدها العملة الإيرانية بسبب الأخطاء الحكومية التي تغذي عمليات المضاربة على العملة وتستنزف احتياطات البلاد من العملات الأجنبية في الدفاع عن سعر صرف غير قابل للاستمرار.