السبت - 18 يناير 2025
السبت - 18 يناير 2025

حقائق أسواق النفط العالمية تستخف بالتهديدات الإيرانية

حقائق أسواق النفط العالمية تستخف بالتهديدات الإيرانية

في الأشهر القليلة الماضية هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر منه نحو ثلث إمدادات النفط العالمية، وقامت باحتجاز ناقلات نفط، وهاجمت سفناً في المياه الدولية، ودمرت منشآت نفطية باستخدام طائرات مسيرة، واخترقت أنظمة كومبيوتر خاصة بشركات نفط كبري.

وفي الماضي كانت هذه الأعمال الطائشة أو حتى جزء ضئيل منها كفيل بأن يطلق عنان أسعار النفط إلى السماء، ولكن ما حدث هو العكس تماماً حيث حافظت أسعار النفط على مستوياتها وفي بعض الأحيان تراجعت عن مستوياتها المسجلة قبل أن تبدأ إيران عروضها الاستفزازية.

ورغم أن ذلك قد يبدو غريباً للوهلة الأولى إلا أن الحقائق على أرض الواقع في أسواق النفط العالمية تحل هذه اللغز وتثبت بما لا يدع مجالاً للشك تغيير آليات السوق بصورة تجعل الدعاية الإيرانية تهديدات جوفاء لا أكثر.

وتشير الإحصاءات إلى أن أسعار خامي برنت وغرب تكساس الأمريكي فقدتا نحو 26 في المئة من سعرهما في شهر أكتوبر الماضي، وهو الموعد الذي تجددت فيه المواجهات بين وإيران والولايات المتحدة عقب انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي الموقع في عام 2015.

وبداية فإن إيران لا تملك القدرة ولا الحجة القانونية التي تتيح لها إغلاق مضيق هرمز في وجه الملاحة البحرية بالمخالفة لقانون البحار، كما أن إيران ذاتها أول المتضررين من إغلاق المضيق لأن أغلب وارداتها تمر عبر المضيق، وأقصي ما يمكن لإيران أن تفعله هو أن تعطل الملاحة في المضيق لبضعة أيام قبل إن تقوم أساطيل الدول الكبري بإجبارها على فتح الملاحة في المضيق.

وحتى ولو نجحت إيران في إغلاق المضيق ورفع أسعار البترول، فإن منتجي النفط الصخري حول العالم، الذين يمكنهم، بعكس منتجي النفط التقليديين، تعديل مستويات إنتاجهم بسرعة استجابة للتغييرات في أسعار النفط، سيتقدمون لملء الفراغ وتعويض النقص بصورة تجعل الأسعار تعاود الانخفاض مرة أخرى للمستويات التي يفرضها السوق بناء على قوى العرض والطلب، وعلى سبيل المثال فإن إنتاج النفط الصخري الأمريكي تجاوز عشرة ملايين برميل يومياً في فترة زمنية قصيرة جداً.

ويعني هذا أن المخاوف من تضرر الاقتصاد العالمي المعتمد على تدفق النفط مبالغ فيها إلى حد بعيد، خاصة وأن مخزونات النفط لدى الدول الكبري سواء في الغرب أو آسيا وصلت إلى مستويات قياسية ويمكنها تحمل تعطل شحنات النفط لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.

وعلى سبيل المثال فإن مخزونات النفط لدي الصين في عام 2016 كانت تكفي لمدة 50 يوماً فقط أما اليوم فان المخزونات الصينية من النفط تصل إلى 100 يوم كاملة، وهذا المعدل يفوق مستويات مخزونات النفط الأمريكية، وما ينطبق على الصين ينطبق على بقية الدول الصناعية الكبرى.

وفي الحقيقية فإن تأثير التغيرات في العرض والطلب على النفط أكبر بكثير من تأثير التهديدات الإيرانية على أسواق النفط العالمية، فنمو الطلب العالمي على النفط خلال الربع الأول من العام الجاري هو الأبطأ منذ عام 2011.

ومن المتوقع أن تتزايد وتيرة التباطؤ في نمو الطلب في ظل استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتزايد احتمالات خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد الأوربي دون اتفاق.

ويكفي فقط أن نقول إن معدل النمو الاقتصادي في الصين وهي أكبر مستورد للنفط في العالم ترجع خلال الربع الثاني من العام الجاري إلى نحو 6.2 في المئة، وهو معدل النمو الأقل الذي يحققه الاقتصاد الصيني خلال أكثر من 30 عاماً، ومن المتوقع أن تهبط نسبة النمو إلى ستة في المئة فقط خلال العام المقبل.

وحتى نفهم العلاقة بين الركود الاقتصادي ومستوى أسعار النفط يكفي فقط أن نشير إلى أن آخر موجة ركود صاحبت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 أدت إلى انخفاض أسعار النفط من 145 دولاراً للبرميل إلى أقل من 34 دولاراً للبرميل في ظرف خمسة أشهر فقط خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2008.

وهذه الحقائق تعني أنه حتى ولو قامت إيران بإغلاق المضيق لبضعة أيام فإن مخاطر حدوث نقص في إمدادات النفط العالمية تبدو ضئيلة للغاية، خاصة وأن هناك منتجين آخرين من خارج المنطقة على استعداد للتقدم وتعويض أي نقص محتمل.

وبحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة فإن إمدادات النفط العالمية ستنمو في عام 2020 بصورة أكبر من نمو الطلب العالمي على النفط في هذه الفترة بسبب دول لاعبين جدد مثل البرازيل والنرويج وكندا .

ورغم أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وافقت في اجتماعها الأخير على تمديد العمل باتفاق خفض الإنتاج حتى الربع الأول من عام 2020 إلا أن هذا الخفض ليس كافياً لامتصاص الزيادة في المعروض من النفط في الأسواق .

والأهم من كل ذلك أن دول الخليج وبصفة خاصة السعودية والإمارات اللتين يمر نحو 90 في المئة من صادراتهما النفطية عبر مضيق هرمز، تملكان مسارات بديلة لتصدير النفط إلى الأسواق العالمية، وبصفة خاصة الأسواق الآسيوية الكبرى سواء عبر استخدام خطوط الأنابيب أو من خلال استخدام مضيق باب المندب.

كما أن التغييرات التي حدثت في صناعة البتروكيماويات العالمية، والتي نبعت من رغبة الدول في الحصول على قيمة أكبر لثرواتها النفطية أثرت على مستويات أسعار النفط، ففي الماضي كانت أسعار النفط هي التي تحدد أسعار المنتجات البتروكيماوية المصنعة، ولكن الوضع أصبح معكوساً الآن فالمنتجات البتروكيماوية المصنعة هي التي تتحكم في أسعار النفط، خاصة في ظل تخمة المعروض في أسواق البتروكيماويات ما يجعل شركات البتروكيماويات أقل رغبة في شراء النفط عندما تكون أسعاره مرتفعة حتى تحافظ على معدلات ربحها.