السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مصر والطريق إلى استعادة مملكة الذهب الأصفر

أعلن وزير البترول والثروة المعدنية المصري، المهندس طارق الملا، قبل بضعة أيام، طرح المزايدة العالمية الأولى، للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة لعام 2020، بدءاً من الـ15 من مارس المقبل، حتى الـ15 من يوليو من العام الجاري، وذلك بإجمالي 320 قطاعاً على مساحة نحو 56 ألف كم بالصحراء الشرقية والبحر الأحمر، وتصل مساحة القطاع إلى قرابة 170 كم مربعاً.

الإعلان المصري الرسمي هذا، يطرح العديد من التساؤلات عن استعادة مصر دورها في إنتاج الذهب العالمي، وعن مخزونها من هذا المعدن النفيس، وعمّا يمكن لمزيد من الاكتشافات منه أن يحدثه على صعيد الحياة الاقتصادية المصرية، وتغيير وجه الحياة في أرض المحروسة، والعديد من علامات الاستفهام التي نحاول التوقف معها بغير اختصار مخل أو تطويل ممل..

الذهب المصري منذ عهود الفراعنة




قصة الذهب مع مصر ليست وليدة اليوم، فهناك الكثير من البرديات الفرعونية التي تشير إلى أن المصريين القدماء (الفراعنة) توصلوا إلى استخراج الذهب، من خلال أعمال التنقيب في نفس الأماكن التي أعلنها الوزير المصري، إضافة إلى منطقة النوبة، ولهذا تزخر آثار الفراعنة بالمشغولات الذهبية، ما يعني أنه كانت لديهم صناعة للذهب بعد استخراجه، فقد شكلوه ونحتوه، ولكن المثير أنهم لم يعبدوه قط، رغم آلهتهم المتعددة.

تشير أكثر من دراسة إلى علاقة المصريين بالذهب، تحدث عنها عالم الآثار والمصريات القديمة الدكتور حسين عبدالبصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، والذي أكد أن الفراعنة عرفوا طريقهم إلى عشرات المناجم المليئة بالذهب، كما أن لفظة «النوبة» تعني أرض الذهب، وهناك رسالة محفوظة في المتحف، بعثها أحد حكام الشرق الأدنى للملك «أمنحتب الثالث» قال له فيها: «ابعث لي بكمية من الذهب، لأن الذهب في بلادك مثل التراب».

الذهب وطاقة أمل للاقتصاد المصري

ليس سراً أن الاقتصاد المصري عانى كثيراً في العقود الماضية، لأسباب عدة، منها: الحروب التي خاضتها مصر، والزيادة السكانية التي التهمت، ولا تزال، كل عوائد التنمية، كما أن موارد مصر من النفط، كانت شحيحة جداً ولا تكفي الاستهلاك المحلي.

غير أن بدايات ظهور الذهب والغاز، أعطيا أملاً كبيراً في أن يتغير وجه الساحة الاقتصادية المصرية، وأن تكون الاكتشافات الحديثة تحمل الخير الوفير للمصريين.

بلغة الأرقام يؤكد الجيولوجيون أن هناك أكثر من 120 موقعاً في الصحراء الشرقية المصرية، تحتوي على نسب تغري شركات التنقيب العالمية، للبحث عنها والشراكة في استخراجها، والأمل يراود تلك الشركات، بقدر مشاغبته للمصريين في اكتشاف مناجم أخرى بحجم منجم السكري، الذي يعمل حالياً من خلال شركة أسترالية، ذلك لأن ساعتها سوف تضحى مصر من أغنى دول العالم قولاً وفعلاً، وهو أمل يتعزز يوماً تلو الآخر، من جراء احتمالات وجود الذهب في بعض تلك المواقع، وبكميات اقتصادية مغرية.

من مرسى علم إلى شلاتين وغيرها

في الوقت الحاضر، يبقى منجم السكري هو درة التاج المصرية في اكتشافات الذهب، ويمثل المنجم الواقع في مدينة مرسى علم، على ساحل البحر الأحمر، نقلة تكنولوجية حديثة في صناعة التعدين في مصر، ومع تزايد إنتاجه المتوقع، سوف تصبح مصر من منتجي الذهب الكبار حول العالم، لا سيّما أنه يصنف ثالث أكبر منجم للذهب في العالم، ويصل حجم احتياطيه إلى 500 ألف أوقية في العام الواحد لمدة 25 عاماً.

عطفاً على منجم السكري، يتوقع الجيولوجيون والشركات المنقبة، أن تجود منطقة المثلث الذهبي التي تقع على مساحة 250 ألف كم، بين مدينتي: سفاجا، والقصير بمحافظة البحر الأحمر، بأسرار ذهبها عما قريب.



أما عن منطقة (حلايب وشلاتين)، فحدث عنها ولا حرج، إذ تعد من المناطق الواعدة لإنتاج الذهب، وتدير شركة شلاتين الوطنية 5 مناطق، منها 4 مناطق بحلايب وشلاتين ومنطقة بمحافظة أسوان.

ذهب الصحراء الشرقية

تبدو الإمارات العربية سباقة في مجال التنقيب عن ذهب المصريين، فمنذ عام 2007 وشركة «ثاني دبي الإمارات للموارد الطبيعية والتعدين»، تعمل على التنقيب عن الذهب في الصحراء الشرقية، لا سيَّما في منطقتي وادي كريم، ووادي حوضين، وذلك طبقاً لاتفاقية موقعة مع هيئة الثروة المعدنية المصرية.

بجانب الشركة الإماراتية، وشركة «سنتامين» الأسترالية التي تقوم باستخراج ذهب السكري، تعمل عدة شركات عالمية أخرى في مساحة قدرها 1370 كم مربعاً في الصحراء الشرقية، مثل شركة «نوبيا» الكندية، وشركة «ماتزهولنج» القبرصية، والتي تعمل في منجم حمش.

داعم للاقتصاد المصري

لا يحتاج المشهد إلى خبراء في الاقتصاد للتأكيد على أن عودة مصر كملكة لإنتاج الذهب عالمياً، أمر كفيل بأن يرفد موازنة البلاد بأرقام هائلة، وغير مسبوقة، تضاف إلى الدخل القومي، وحال تأكد وجود 20 منجماً، فقط، من بين الـ120 المرشحة لأعمال التنقيب، تضارع في إنتاجها منجم السكري الحالي، والذي تصل قيمة مبيعاته إلى 4 مليارات دولار، يدخل الخزينة المصرية منها أكثر من 200 مليون دولار، فإن ذلك يعني دخول مصر عالماً آخر من الوفرة التي تساعد في إعادة البناء واستمرار خطط التنمية وتنفيذ رؤية مصر 2030.

الأمر الآخر الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن الأمر لن يتوقف عند العائد المباشر من حصة مصر من بيع الذهب للعالم الخارجي، ذلك لأن بدء العمل في تلك المناجم، يعني كذلك تشغيل آلاف الأيدي العاملة، ومئات الشركات والموردين، بجانب إقامة مجتمعات عمرانية بالقرب من تلك المناجم، وامتداد حركة العمران البشري.

كما أن الاقتراب من الصحراء الشرقية، سوف يجعل مشروعات عملاقة وضعت في الأدراج منذ فترة، تعود إلى الظهور مرة أخرى، مشروعات مثل: منخفض القطارة، ذلك المشروع الكبير القادر على تغيير شكل الصحراء الشرقية، من خلال زراعة عشرات آلاف الأفدنة، وتوليد كهرباء بكميات وفيرة، وتحويل الصحراء إلى واحات خضراء.

مصر واسترجاع الغطاء الذهبي للجنيه

يبقى من البديهي القول: إن عودة مصر لإنتاج الذهب بكميات وافرة، سوف ينعكس على قوة عملتها المحلية في مواجهة عملات العالم لا سيَّما الدولار.

وهنا ينبغي التذكير بأن قيمة أوراق البنكنوت متغيرة ومضطربة، وتتحكم بها عوامل، مثل التضخم والركود الاقتصاديَّين، ولهذا وبعد أن انتهى زمن استخدام الذهب كوسيلة تعاملات مالية في القرون الوسطى، لجأت غالبية دول العالم إلى استخدام الذهب كغطاء ومحدد لقيمة عملة أي دولة، وبقول آخر يبقى الذهب طريقة للحفاظ على قيمة العملة الورقية، وفي أوقاتنا المعاصرة تشتد الحاجة إليه سيَّما مع الاضطرابات الاقتصادية التي تنتاب الدولار