الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

هل سيتأثر القطاع النفطي بعد انقضاء «كورونا»؟.. خبراء يجيبون

هل سيتأثر القطاع النفطي بعد انقضاء «كورونا»؟.. خبراء يجيبون

رجح خبراء لـ«الرؤية» أن يزيد تأثر استثمارات القطاع النفطي بعد أزمة كورونا في ظل التوقعات السلبية حيال الطلب والمعروض حتى نهاية العام، تزامناً مع تراجع استثمارات الشركات الأمريكية في القطاع وحفارات النفط رغم خطة أوبك لخفض الإنتاج وضبط إيقاع السوق المتأثر بتفشي الوباء.

ومرت صناعة النفط بالعالم بيوم تاريخي وهو يوم 20 أبريل الماضي الذي يعتبر يوماً أسود، الذي وصل فيه سعر برميل النفط الأمريكي إلى (-40 دولاراً للبرميل) وهي المرة الأولى في التاريخ التي يكون فيها سعر برميل النفط بالسالب أي أن كل مشترٍ للنفط سيحصل على 40 دولاراً مقابل كل برميل نفط خام أمريكي يتسلمه.

وكان تراجع الأسعار السلبي نتيجة لجائحة كورونا والتي ضربت الاستهلاك العالمي للنفط في مقتل وينخفض الاستهلاك بشدة بسبب الركود الحادث في الاقتصاد الدولي والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها العديد من الدول مما أدى إلى تقييد الحركة والمزيد من ضعف الاستهلاك ثم جاء فشل اتفاق أوبك بلاس لخفض الإنتاج ليطلق رصاصة الرحمة على القطاع ويدخل أسعار النفط في نفق مظلم ومعاناة كبيرة.

وقال الخبير الاقتصادي ممدوح النقيب، إنه بعيداً عن هذا اليوم الاستثنائي الذي من الصعوبة بمكان أن يتكرر لظروفه الاستثنائية ولكن صناعة النفط تمر بمرحلة صعبة وتعاني منذ فترة ليست بالقصيرة مع تباطؤ الاقتصاد العالمي تأثر الطلب على النفط وكان من المفترض أن يتم خفض الإنتاج ليتناسب مع الاستهلاك ولكن ذلك لم يحدث واستمر كبار منتجي النفط في ضخ إنتاجهم ليحدث تخمة في المعروض.

وانخفضت الأسعار بشدة لنرى أسعاراً لم نرها منذ عشرات السنين، انخفاض الأسعار له تداعيات سيئة جداً على الدول المنتجة وشركات القطاع وتهدد بشدة قدرة الشركات على ضخ استثمارات في القطاع خصوصاً أن القطاع يحتاج استثمارات ضخمة على مدار السنوات القادمة بل إنه يهدد بقدرة الشركات على البقاء وأكثر المهددين بالخروج من السوق هي شركات النفط الصخري الأمريكي لارتفاع كلفة إنتاجه بالإضافة لعجز الموازنة الضخم للدول النفطية.

وأشار إلى أن ذلك عامل محفز هام لكبار المنتجين على إبرام اتفاق جديد لخفض الإنتاج يعتبر هو الاتفاق الأضخم في تاريخ صناعة النفط، لم يكن الاتفاق رغم ضخامته كافياً لطمأنة الأسواق، حيث يظل التخوف الأعظم من انخفاض معدلات الاستهلاك والكساد الاقتصادي وبعد أن أعلنت العديد من الدول الفتح التدريجي للاقتصاد، وأصبح هناك بعض المؤشرات لقرب عودة الحياة إلى طبيعتها مما قد يعزز من الاستهلاك. بدأت أسعار النفط بالعودة التدريجية حتى تجاوزت أسعار الخام الأمريكي الخفيف مستوى الـ32 دولار في ارتفاع تخطى الـ200% من أدنى مستوياته في فترة زمنية قصيرة، كما تخطى خام برنت مستوى الـ36 دولاراً.

هل تخطت أسواق النفط الأزمة؟

وأوضح ممدوح النقيب أن هذا السؤال في منتهى الأهمية، حيث إنه سيحدد بشكل كبير توجه الاستثمارات للقطاع، إجابة هذا السؤال تكمن بالدرجة الأولى في توقعات نمو الاقتصاد العالمي المتأثر بشكل أساسي بالإجراءات الاحترازية المتخذة لمواجهة جائحة كورونا، العودة للحياة الطبيعية سواء بعد اكتشاف علاج أو لقاح للفيروس أو حتى تبني سياسة الفتح التدريجي للاقتصاد هو ما سيعطي مؤشرات حول تحرك الاقتصاد وتحرك الاستهلاك وبالتبعية تحرك الأسعار هناك توقعات عديدة لأسعار النفط في 2020 و2021 كلها تدور في فلك الـ40-60 دولاراً للبرميل، وهو ما يعتبره الكثير كسعر عادل يحقق مصلحة المستهلك والمنتج في آن واحد.

ولفت إلى أنه يمكن الشركات من ضخ الاستثمارات الحيوية في القطاع مما يكفل استمراريته وقدرته على المحافظة على الإمدادات المنتظمة للأسواق، هناك تخوف آخر في حالة صعود الأسعار، هو أن يكون ذلك مغرياً للمنتجين لضخ المزيد من الإنتاج في الأسواق مما قد يعيدنا إلى تخمة المعروض وانخفاض الأسعار مرة أخرى هنا لا بد من التركيز على طرفي المعادلة في آن واحد، تحسن الاستهلاك مع عودة الحياة لطبيعتها وخفض المعروض لتخفيف التخمة والمخزونات الضخمة الموجودة في الأسواق.

وتوقع النقيب ألا تستقر أسعار النفط حتى يتحقق التوازن المطلوب بين الاستهلاك والإنتاج عندها فقط يمكننا الحديث عن ضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع، مما يتيح البقاء والاستمرارية للشركات العاملة في القطاع للمحافظة على الإمدادات وانتظامها.

حقبة جديدة

من جهته، قال رئيس الباحثين في «سنشري فاينانشال»، أرون ليزلي جون، إن جائحة كوفيد-19 حددت حقبة جديدة تماماً لقطاع الطاقة على مستوى العالم. على الجانب الأمريكي، من المرجح أن ينخفض ​​إنتاج النفط الخام في 7 أحواض للنفط الصخري الأمريكي بمقدار 197 في اليوم، وهو رقم قياسي في حد ذاته. من ناحية أخرى، أعلنت شركات قطاع الطاقة المتكاملة عالمياً عن تخفيضات في النفقات الرأسمالية لعام 2020 بنحو 85 مليار دولار.

وأشار إلى أنه لوحظت تخفيضات كبيرة في رأس المال في عمليات معاكسة ليس فقط لأنشطة الاستكشاف والإنتاج الأساسية ولكن أيضاً للمشاريع غير المصرح بها، على سبيل المثال، أعلنت شركة إكسون موبيل عن تخفيض النفقات الرأسمالية لعام 2020 بنسبة 30%، وأعلنت شركة أوكسيدنتال بتروليوم التي تتخذ من تكساس مقراً لها، إلى حد كبير، عن ارتفاع في النفقات الرأسمالية بنسبة 48%، وتخطط الشركة الآن لاستثمار 2.7 مليار دولار فقط مقابل تقديراتها الأولية البالغة 5.2 مليار دولار (توقعات بداية 2020)، وأعلنت أرامكو السعودية عن انخفاض الإنفاق الرأسمالي لعام 2020 في حدود 25 - 30 مليار دولار، بانخفاض عن أرقام 2018 و2019.

وكان ينظر إلى صفقة أوبك + الأخيرة التي شهدت الإعلان عن تخفيضات الإنتاج القياسية في البداية مع الكثير من الشك، ومع ذلك، يقوم منتجو الخليج الرئيسيون حالياً بتخفيض إنتاجهم بشكل طوعي بالإضافة إلى التخفيضات المخطط لها، وهذا يؤتي ثماره في النهاية لأسواق النفط مع تعافي أسعار النفط بنسبة 100% من مستوياتها المنخفضة التي شهدتها الشهر الماضي.

على جانب الطلب، أوضح أن المصافي المستقلة الصينية التي تمثل عادة 25% من طاقة التكرير تعمل الآن بطاقة إنتاجية 75% مقارنة بـ60% قبل عام. يقود البنزين والديزل منحنى الطلب على النفط، حيث يستعد المزيد والمزيد من المصانع والركاب للعودة إلى العمل. زادت المصافي الصينية معدلات تشغيلها بنسبة 11%. عند 13.1 مليون برميل، وكان معدل التشغيل في أبريل أعلى من الأرقام على أساس سنوي، وقفزت واردات الصين من النفط الخام إلى 9.84 مليون برميل في أبريل، مما يشير إلى توقعات قوية للطلب.

ومن الآن فصاعداً، رجح أرون ليزلي جون أن يبقى السيناريو العام للاستثمارات في قطاع الطاقة صامتاً. سيناريو أكثر إيجابية لمنتجي النفط سيكون من خلال أسعار أكثر ثباتاً واستدامة أعلى لفترة طويلة.

قطاع الطاقة سيعاني

من جانبه، قال المدير التنفيذي لشركة vi markets في مصر، أحمد معطي، إن الاستثمار في قطاع الطاقة سيعاني خلال الفترة القادمة في ظل انخفاض معدلات الطلب على النفط بسبب تفشي جائحة كورونا، وذلك برغم ما رأيناه من قفزة أسعار النفط اليوم، حيث ارتفع خام برنت إلى 35 دولاراً لبرميل و33 دولاراً لبرميل خام غرب تكساس، حيث ما زالت هذه الأسعار أقل من كلفة برميل النفط الأمريكي الذي يتراوح كلفته في حدود 50 دولاراً للبرميل.

وأشار إلى أن ذلك الارتفاع للنفط يأتي بسبب خفض الإنتاج وليس بسبب زيادة الطلب، فالطلب ما زال يعاني عالمياً مع زيادة المخزونات فانخفض الطلب عالمياً في حدود 30 مليون برميل يومياً، والآن نتحدث عن وجود تعافٍ ملحوظ في الطلب ولكن ما زال متدنياً أيضاً لذلك بالتأكيد الاستثمار للشركات والتوسع في قطاع النفط لن يكون ذا قيمة للشركات.

ويرى معطي أن التعافي يأتي لعدة أسباب، أهمها هو اتجاه بعض الدول نحو تخفيف القيود بسبب جائحة كورونا على حركة الطيران، والتي تعتبر قطاع الطيران هو من أكبر المستهلكين للنفط لذلك تخفيف قيود السفر من عدة دول أدى إلى ارتفاع الطلب من قطاع الطيران، أيضاً رجوع أغلب المصانع وحركة العمل بسبب اتجاه الدول للتعايش مع جائحة كورونا أدى بالتأكيد لزيادة الطلب على النفط، أيضاً بدء سريان اتفاق منظمة الأوبك وحلفائها من أهم أسباب تعافي أسعار النفط، والذي بدأ أول مايو بخفض الإنتاج بحوالي 10 مليون برميل يومياً، والذي يصل بهذا التخفيض إلى حوالي 20 مليون برميل يومياً كما أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذلك بالإضافة إلى أن أغلب الدول أعلنت بالفعل أنها ستقوم بخفض الإنتاج خاصة في ظل تهاوي الطلب، إلى جانب قيام وزارة النفط والغاز العمانية بإخطار عملائها بخفض مخصصاتهم من توريدات طلبياتهم إلى 30% لعقود تسليم مايو، كما قام وزير النفط الكويتي بخفض الإنتاج من باب الاستشعار بالمسؤولية قبل بدء الاتفاق، أيضاً وزيرة النفط النرويجية تينا برو قالت إنها ستخفض الإنتاج بـ250 ألف برميل يومياً وأن بلادها ستؤجل بدء إنتاج عدة حقول.

كما لفت إلى أن هذه هي المرة الأولى منذ 18 عاماً التي تخفض فيها النرويج الإنتاج، أيضاً انخفاض عدد حفارات النفط والغاز الطبيعي العاملة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى على الإطلاق سبب لتعافي النفط، وأن ذلك بناء على بيانات تعود إلى 80 عاماً مضت من شركة “بيكر هيوز” لخدمات الطاقة والتي تعود إلى العام 1940 بأن عدد الحفارات هبط بواقع 34 حفاراً إلى منخفض قياسي عند 374 في الأسبوع المنتهي في الثامن من مايو 2020.

وذكر أن أقل عدد على الإطلاق سابقاً هو 404 حفارات في مايو 2016، أيضاً إعلان الكويت والسعودية مؤخراً أنها سيوقفان الإنتاج في حقل الخفجي بالمنطقة المقسومة، كما أعلنت السعودية أنها ستقوم طواعية بتخفيض الإنتاج بمليون برميل بالإضافة إلى ما تم الاتفاق عليه في اتفاق أوبك + الأخير، وأعلنت الإمارات أنها ستخفض الإنتاج طواعية بـ100 ألف برميل، والكويت أيضاً أكدت أنها ستخفض 80 ألف برميل إضافي على الاتفاق.

وأضاف بالتأكيد كل هذا أثر على سعر برميل النفط ليحدث توازناً جديداً بين العرض والطلب، أيضاً أظهرت البيانات الأخيرة أن إنتاج النفط بحقلي كازاخستان النفطيين العملاقين تنجيز وكاشاجان تقلص بحوالي 700 ألف برميل أيضاً تصريح وزير الدولة للبترول تيميبري سيلفا أن نيجيريا وهي أكبر دولة مصدرة للنفط في أفريقيا ستخفض الإنتاج بنحو الربع تقريباً.

وقال معطي: «لذلك ومع هذه التصريحات والبيانات الجيدة أرى أن النفط سيشهد مزيداً من الارتفاعات بنحو 40 دولاراً لبرنت و35 دولاراً للنفط الأمريكي.. ولن نرى مستويات فوق 60 دولاراً للبرميل إلا في حالة وجود علاج أو لقاح لكورونا، أيضاً رأينا السعودية تستثمر في شركة بي بي النفطية مستغلة هبوط سعرها لذلك أرى أيضاً أن الدول الكبرى ترى مؤشراً يدل على أن التعافي قادم قادم ولكن لن يستطيع تحمله إلا الدول واقتناصها فرصاً استثمارية في الشركات النفطية التي تهبط أسعارها الآن».

ضربة للذهب الأسود

وعلى ذات الصعيد، قال المستشار الدولي بالأسواق، محمد مهدى عبدالنبى، إن الذهب الأسود تلقى في النصف الأول من 2020 ضربة مزدوجة أولها انتشار وباء كورونا الذي تعطلت على إثره سلاسل التوريد العالمية مع الإغلاق شبه الكامل للاقتصاد العالمي، وثانيها حرب تسعير الطاقة التي نشبت بين كبار المنتجين «المملكة العربية السعودية وروسيا» مما أدى إلى مشاهد سعرية صادمة لم يتوقعها أحد والتي تمثلت في كابوس أسعار النفط السالبة التي حققتها عقود تسليم مايو الجاري.

وأضاف «لعل المشهد السابق قد يصلح مبرراً لتراجع استثمارات الشركات العالمية في النفط، ولكن نزيف تراجع الاستثمارات كان مستمراً منذ 6 سنوات ماضية حسب تقارير كل من IFPEN وRestat Energy حيث تسبب هبوط أسعار النفط منذ يونيو 2014 من مستوى 115 دولاراً للبرميل إلى انخفاض استثمارات الشركات العالمية في النفط والغاز من 827 مليار دولار في عام 2014 إلى أقل من 517 مليار دولار فقط كانت متوقعة في بداية عام 2020».

وأشار إلى أن الهبوط الكبير لأسعار النفط منذ بداية العام الجاري بسبب وباء كورونا وحرب تسعير الطاقة أجبر الشركات على تقليص وظائف القطاع عالمياً بنحو 25% وكذلك خفض استثماراتها من 100 إلى 250 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021.

ولفت إلى أن بقاء أسعار النفط فوق 30 دولاراً للبرميل يعادل انخفاضاً بنحو 15% في حجم الاستثمارات وهو ما يتحقق حالياً بعد أن استردت الأسعار عافيتها على إثر تراجع التوتر بين كبار المنتجين بالاتفاق على خفض الإنتاج النفطي والاتجاه لفتح الاقتصاد العالمي بالتعايش مع وباء كورونا الذي يفتح الباب لتحسن المشهد قليلاً بتوقعات انطلاق الأسعار فوق 40 دولاراً للبرميل مما يعادل انخفاضاً بنحو 8% فقط في حجم استثمارات الشركات العالمية في القطاع النفطي.