عكست تحركات صناديق الثروة السيادية العالمية خلال أزمة كورونا المستجد «كوفيد-19»، وسعيها لاقتناص فرص الاستثمار الذهبية بأسواق الأسهم سيكون لها دور فعال خلال فترة التعافي من التداعيات التي خلفتها الجائحة على الدول المالكة للصناديق، وسط قدرتها على توفير بدائل تمويلية للحكومات وتنويع مصادر الدخل القومي بعيداً عن الميزانية العامة.
وفي هذا الشأن، قال محللون في إفادات متفرقة لـ«الرؤية»، إن التوقيت جيد لاقتناص مزيد من الفرص الاستثمارية للصناديق السيادية مع ترقب تعاف قريب للاقتصاد على المدى المتوسط، من ناحية أخرى ستعمل الصناديق (التي تتجاوز أصولها 8 تريليونات دولار) على تخفيف الأضرار التي سببتها الجائحة، وتحقق دورها الأساسي في التنمية الاقتصادية الوطنية.
ويبلغ حجم أصول الصناديق السيادية لأكبر 93 صندوقاً سيادياً حول العالم نحو 8229.94 مليار دولار حتى مايو الحالي.
وحسب إحصائية «الرؤية»، التي استندت لبيانات معهد صناديق الثروة السيادية «ISWF»، فإن حجم أصول الصناديق السيادية في الإمارات بلغ 1097 مليار دولار (4.030 تريليون درهم) خلال مايو 2020 بالمرتبة الثالثة عالمياً بعد الصين والنرويج، موزعة على 5 صناديق، تعادل نسبة 13.3% من إجمالي أصول الصناديق عالمياً، ونحو 47.3% من إجمالي الأصول خليجياً.
وفي وقت سابق، أكد جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد، «إن مصدري النفط في حاجة إلى إيجاد مجالات جديدة للنمو في ظل التباطؤ الحالي الناجم عن الهبوط الحاد في أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا، كما يمكن لصناديق الثروة السيادية أن تلعب دوراً ويمكن للمؤسسات الإقليمية أن تلعب دوراً».
ويدعم حجم الأصول السيادية المرتفعة عملية التعافي الاقتصادي بعد انقضاء جائحة كورونا، بنحو أسرع من الاقتصادات الأخرى التي تفتقر إلى السيولة المالية لإنعاش القطاعات المتضررة بسبب كورونا، كما تمثل الصناديق فرصة لتدوير الأصول المالية للدولة، وتحقيق عوائد مجزية لتمويل بعض متطلبات الميزانية وتنويع مصادر الدخل.
مشاركة متطورة
من جانبه، قال جون لوكا مدير التطوير بشركة «ثانك ماركتس»، إن الصناديق السيادية ستلعب دوراً مهماً بأسواق الأسهم في الفترة من 3 إلى 5 سنوات المقبلة لحين التعافي من تداعيات الأزمة، مشيراً إلى أن مشاركة تلك الصناديق تطورت وأصبحت أكثر نشاطاً في المخاطرة.
وأفاد لوكا بأن «القرارات الاستثمارية الحالية للصناديق السيادية خلال الفترة الراهنة يرجع إلى أن المسؤولين عن هذه الصناديق يعتقدون أن ما يمر به الاقتصاد العالمي ليس أزمة مالية في المقام الأول، إنما هي أزمة اقتصادية بسبب جائحة كورونا وستنتهي بمجرد اكتشاف علاج، وستحقق جميع فئات الأصول معها ارتفاعات قياسية على المدى القريب أو المتوسط».
وبالنسبة لدور الصناديق السيادية محلياً، أكد لوكا أن التنمية الاقتصادية الوطنية هي هدف لجميع صناديق الثروة حول العالم، لذا قد تركز على الكيانات المحلية والشركات الناشئة التي تستثمر في رأس المال مباشرة، وتدعم الأنشطة المتأثرة بسبب الأزمة الحالية.
تهاوي قيمة الأصول
وقال الخبير الاقتصادي، عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد «تشارترد للأوراق المالية والاستثمار» في الإمارات، وضاح الطه، إن الفترة الراهنة أبرزت فرصاً استثمارية غير مسبوقة أمام الصناديق السيادية بعد أن تهاوت قيمة مختلف الأصول لمستويات تاريخية.
وأضاف الطه أن التوقيت ممتاز جداً لصناديق الثروة السيادية «لاسيما الخليجية التي تعد أكبر الصناديق السيادية حول العالم»، لاقتناص الفرص الاستثمارية خارجياً أو التدخل محلياً لضخ استثمارات في قطاعات حيوية أثبتت الأزمة الحالية أهميتها الاستراتيجية مثل قطاعي الغذاء والصحة.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن استراتيجيات الصناديق للشراء تضع 3 تصورات للتعافي من الأزمة الراهنة، الأولى أن يأخذ التعافي شكل حرف «V» بحدوث ارتداد سريع للاقتصاد وهي حالة غير مرجحة حالياً، بينما التصور الثاني أن يكون التعافي على شكل حرف «U» وهي الفترة التي نعاصرها الآن وهي فرصة جيدة للشراء، أما التصور الأسوأ فتعافٍ على شكل حرف «W» وفي هذه الحالة يرتبط التعافي بشكل أساسي في التوصل لعقار فعال لعلاج المرض.
وأشار أن الفرص الاستثمارية لا ترتبط بمنطقة جغرافية معينة كالولايات المتحدة، فالفرص الجيدة متاحة في جميع الأسواق مثل أوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
تقييم الاستثمارات
وحول الدور المنوط بالصناديق السيادية ما بعد انقضاء كورونا، قال عضو جمعية الاقتصاد السعودية، والمحلل الاقتصادي سعد آل ثقفان، إنه يتطلب تقييم الاستثمارات القديمة ومراجعة الأسعار السوقية والحقيقية بما تملكه تلك الشركات من أصول والخطط المستقبلية ومراجعتها بشكل دوري.
وأوضح أنه بهذه الطريقة تظهر فرص الدخول في قطاعات واعدة والتخلص من القطاعات الأقل ربحية، إضافة إلى الدخول في قطاعات حيوية توفر الأمان الاستراتيجي للدولة كالقطاع الغذائي والزراعي والدوائي وذلك عبر تملك حصص في تلك الشركات أو تكوين شراكات جديدة، لاسيما بعد أن لاحظنا كيف تأثرت تلك القطاعات بسبب إيقاف الإمدادات العالمية.
وتابع آل ثقفان: «خلال الأزمة رأينا كيف قامت الصناديق السيادية بتسييل الاستثمارات التي لم تنخفض قيمتها والتي تتمتع بعائد منخفض ومخاطرة منخفضة كالودائع البنكية الخارجية والاستثمارات في الخزينة والسندات الامريكية لتوفير السيولة الكافية لاقتناص الفرص الاستثمارية التي ظهرت بفعل الجائحة».
الأصول الأمريكية
وحول تركيز أغلب الصناديق على الاستثمار بالأصول الأمريكية، ذكر المحلل الاقتصادي السعودي، أنه يعود إلى سهولة التسييل وقت الحاجة وأيضاً لعمق السوق ولقوة الاقتصاد الأمريكي وشركاته خاصة بقطاع الابتكار والتقنية، إضافة إلى أن غالبية الصناديق السيادية ترتبط عملة دولها بالدولار الأمريكي فلا يكون هناك مخاطرة في تحويل العملة.
وأفاد بأن أسعار الشركات بالسوق الأمريكي وصلت لمستويات مغرية جداً بعد أن هبطت بنسبة 80% خاصة في القطاعات المتأثرة بشكل كبير بجائحة كورونا كالسياحة والفنادق والنقل والطاقة، وكما ستنصب استثمارات الصناديق على شركات التكنولوجيا التي يتوقع أن تنتعش أسهمها بعد الأزمة خاصة الدور الكبير الذي لعبته في إنجاح التباعد الاجتماعي.
وخلال الربع الأول من العام الحالي، زاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي استثماراته في أسواق الأسهم الأمريكية إلى 9.78 مليار دولار موزعة على 24 شركة بعد أن تراجعت أسعار الأسهم لمستويات قياسية.
وقامت المملكة بدعم صندوق الاستثمارات العامة بنحو 40 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية لدى مؤسسة النقد السعودي «ساما» بغرض توفير السيولة الكافية لاقتناص الفرص الاستثمارية التي تظهر خلال الأزمة الحالية.
وحسب تقرير حديث لشركة «إي.فيستمنت» فإن استراتيجيات الأسهم الأمريكية شهدت تدفقات صافية قدرها 5.36 مليار دولار من الصناديق السيادية خلال الربع الأول من العام الحالي.
وذكر التقرير أن أغلبية التدفقات النقدية توجهت إلى استراتيجيات الاستثمار السلبي لمؤشر «ستاندرد آند بورز»، التي سجلت أكبر تدفقاتها في 3 سنوات على الأقل، فيما شهد سوق الدخل الثابت طلباً من قبل الصناديق السيادية أيضاً، مع تدفقات وافدة بقيمة صافية 341.1 مليون أمريكي وهو أعلى مستوى في 3 سنوات.
وتسببت صدمة كورونا وانهيار أسعار النفط في انخفاض القيمة السوقية للأسهم العالمية بنحو 12 تريليون دولار في الربع الأول من العام الحالي، إلا أن الأسهم تعافت مؤخراً بارتفاع نسبته 25% مقارنة بأدنى مستوياتها في مارس الماضي.