الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

التكنولوجيا تحقق حلم «ليفربول»

التكنولوجيا تحقق حلم «ليفربول»

كلوب وفريق البيانات في ليفربول.

يحتل نادي ليفربول الإنجليزي مكانة مميزة لدى عشاق رياضة كرة القدم العالمية، ومشجعي الدوري الإنجليزي على وجه الخصوص، فهو النادي الذى هيمن تقريباً على كرة القدم الاإجليزية في الفترة بين 1975 و1990، حيث فاز بعشرة ألقاب في الدوري الممتاز، وفاز بكأس أوروبا أ4 مرات خلال 8 سنوات، ووصلت روابط مشجعيه إلى أقصى الأرض من استراليا حتى الولايات المتحدة. وذلك قبل أن تتوقف مسيرته بشكل مفاجئ ويفشل في إحراز بطولة الدوري لمدة وصلت إلى 30 عاماً كاملة رغم اقترابه بشدة من هذا الهدف أكثر من مرة بدون نجاح، حتى تغير الأمر هذا العام.

الأداء المميز ـ وشبه الأسطوري - للفريق هذا العام منحه بطولة الدوري قبل انتهاء المنافسة بسبع جولات كاملة، وصاحب الإنجاز الواضح هو المدرب الألماني العبقري يورغن كلوب، ومعه كتيبة اللاعبين المميزة، ولكن بعيداً عن الأضواء وخلف الستار توجد قصة نجاح كبرى داخل النادي كانت أحد الأسباب الرئيسية في النجاح، وهي فريق تحليل البيانات الذي يقوده «إيان جراهام» والذي ساهم بقوة على مدى الأعوام الماضية في تحويل ليفربول من نادٍ على وشك الانهيار والإفلاس إلى أحد أنجح أندية العالم.

يرى الكثيرون أن نقطة العودة من المجهول لنادي ليفربول كانت بالتعاقد مع «يورغن كلوب» المدرب الألماني الذي وصل إلى المدينة الإنجليزية ومعه مشروع المستقبل لاستعادة أمجاد النادي، ولكن المثير للدهشة أن كلوب وقت اختياره كان قد أنهى الدوري الألماني مع دورتموند في المركز السابع بعد نتائج مخيبة للآمال، ولذا كان اختياره مفاجأة، ولكن هذه المفاجأة يمكن تفهّم أسبابها عندما نعلم بأن السبب الحقيقي وراء اختيار المدرب الألماني هو العمل التحليلي والإحصائي الكبير الذي قام به فريق الأبحاث وتحليل البيانات بالنادي، والذي رأى أن المدرب الألماني هو الأقدر على تنفيذ مهمة إنقاذ النادي من الانهيار.




في عام 2005، حصل «إيان جراهام» على درجة الدكتوراه من جامعة كامبيردج العريقة في مجال الفيزياء النظرية، وكان مشواره المهني يسير في اتجاه آخر تماماً، أو كما قال لموقع «ليفربول»: «كنت أرغب في أن أصبح عالماً واستكمال دراسات ما بعد الدكتوراه»، ولكن الأمر انتهى بالرجل إلى مسار آخر استطاع فيه توظيف عمله الأكاديمي في مجال الرياضة، حيث يقود الآن فريق تحليل البيانات المكون من س6 أفراد والذي تشمل اختصاصاته: العمل قبل المباريات وبعدها، علوم الرياضة، وأكاديمية الناشئين، والأهم من ذلك كله استقدام اللاعبين الجدد.

يرى جراهام أن عرض العمل في ليفربول حقق أحلامه مرة واحدة لأنه تضمن العمل في المجالين اللذين يعشقهما أكثر من أي شيء في الحياة، وهما كرة القدم والبيانات، في ذلك الوقت كان النادي قد انتقلت ملكيته إلى مجموعة FSG الأمريكية للاستثمار، وخلال فترات إعادة الهيكلة وتحديد خطط المستقبل قرر المُلاك إدخال قسم تحليل البيانات ضمن آلية العمل اليومية لتبدأ قصة النجاح اعتباراً من منتصف 2012.

يتألف هذا القسم حالياً من 6 موظفين بدوام كامل، جاء أولهم «تيم واسكت» في أغسطس 2012، وهو حاصل على درجة الشرف في الفيزياء الفلكية، ثم ديفيد ستيل بطل الشطرنج الدولي والخبير في مجال الطاقة، و«ويل سبيرمان» الحاصل على دكتوراه في الفيزياء عالية الطاقة من جامعة هارفارد. ويقول جراهام: «نعمل نحن الأربعة في الجزء الخاص بالإحصاءات» أما مارك هوليت ومارك ستيفنسن فيعملان في الجانب التكنولوجي».

الجانب التكنولوجي في العملية يتعلق بإدارة وتحديث قاعدة البيانات، وبناء آليات البحث، وجميع العناصر المرتبطة بالتكنولوجيا المطلوبة للمساعدة في تحليل البيانات. الأمر الذي يتيح الوقت والتركيز المطلوب لباقي الفريق للعمل على الجزء الخاص بالتحليل.

ويلعب هذا الفريق دوراً رئيسياً في تحليل المباريات، حيث تتوافر دائماً مجموعة من التقارير قبل المباراة، وأخرى بعدها، وتوضع هذه التقارير جميعاً على منصة تم بناؤها، حيث يمكن مراجعة التحليلات المتاحة بما في ذلك التحليل الرقمي للخصوم، وكذلك النماذج الرياضية للأهداف المتوقعة، ونماذج عمليات الاستحواذ على الكرة داخل الملعب، بالإضافة إلى ربط بعض المواقف الرقمية بلقطات الفديو لتحديد المواقف الخطيرة في المباراة.

والمثير في الأمر، أن هذا الفريق لا يعمل بشكل مباشر مع المدربين، ولكن في المقابل فإن فريق التدريب يمكنه الولوج إلى جميع الموارد والإحصاءات التي يجمعها فريق البيانات ليستخدمها في التقارير والاجتماعات الخاصة بهم، ورغم أن فريق البيانات لا يتعامل يومياً مع فريق التدريب، إلا أن التواصل لا يتوقف، والسبب في ذلك يعود بالأساس إلى حماس وأسلوب يورغن كلوب، الأمر الذي يؤكده جراهام بالقول: «كلوب منفتح على أسلوبنا ويتجاوب معنا بشكل كبير».

بين المسؤوليات المهمة التي يقوم بها فريق تحليل البيانات مساعدة الإدارة على تحديد اللاعبين الذين ينبغي شراؤهم، وفي هذه الحالة يتم تغذية المعلومات التفصيلية عن أداء اللاعبين في قاعدة بيانات تضم ما يزيد على 100 ألف لاعب حول العالم، ومن خلال الأنظمة الرياضية في التحليل يتم إحضار القائمة المختصرة، والتي تدخل التقييم مع باقي المؤشرات لتحديد عملية الشراء، الطريف في الأمر أن جراهام لا يشاهد المباريات أو اللاعبين على أرض الملعب، ويرى أن المشاهدة تؤدي إلى التحيز، ولكنه يفضل الاعتماد على الحسابات الرياضية الباردة.

هذا الأسلوب مكّن ليفربول من العثور على بعض أفضل اللاعبين الذين كانوا موجودين على مرأى من الجميع، ولكن تم التقليل منهم، وفي المقابل أكدت الأرقام قدرات هؤلاء اللاعبين، من هذه الأمثلة «آندي روبرتسون»، الظهير الأيسر الذي لم يكن اسماً معروفاً في فريق «هال سيتي» والذي تحول مع ليفربول إلى أحد أفضل اللاعبين في مركزه عالمياً، وهناك أيضاً لاعب الوسط «فينالدوم» الذي تم استقدامه من نادٍ هابط إلى الدرجة الثانية قبل أن يتألق مع كلوب.



قصة نجاح اللاعب المصري «محمد صلاح» مع ليفربول يعود الفضل في جزء منها إلى «جراهام» وفريقه أيضاً، حيث وصل صلاح إلى الدوري الإنجليزي عام 2014 مع فريق تشيلسي، ولكنه لم يحصل على فرصة كبيرة، حيث اقتصرت مشاركته على 13 مباراة خلال موسمين أحرز خلالها هدفين فقط، ليخرج إلى الدوري الإيطالي ويستقر مع روما، الكثيرون رؤوا أن اللاعب لم يتأقلم بشكل جيد مع هذه المسابقة العنيفة، أو أنه لا يصلح من الأساس للتألق في هذا الدوري شديد التنافسية، إلا أن جراهام وفريق التحليل في ليفربول كان لهم رأي مخالف تماماً.

استناداً إلى حسابات جراهام الرقمية، كانت إنتاجية وأداء صلاح في فترة تشيلسي متناسقة مع أدائه قبلها، وهو الأمر الذي أكدته الأرقام في فترة صلاح الإيطالية، وكانت التوصية المباشرة من فريق التحليل أن يحصل ليفربول على خدمات الجناح المصري، الأمر الذى حدث بالفعل مقابل 41 مليون دولار اعتبرها الخبراء بعد ذلك من أنجح صفقات استثمار ليفربول في تاريخه بعد أن تجاوزت قيمة اللاعب السوقية 3 أضعاف هذا الرقم. توقعات جراهام الرقمية المتفائلة بصلاح تم تجاوزها في الموسم الأول للاعب مع الريدز، حيث حطم الرقم القياسي لهداف الدوري الممتاز، ووصل مع ناديه إلى نهائي بطولة أوروبا، وتحوّل مع مجموعة اللاعبين الآخرين إلى رمز لإحياء مجد ليفربول الغابر.

لم يكن ليفربول هو أول الأندية الإنجليزية التي تستخدم تكنولوجيا تحليل البيانات في الرياضة، فعلها تشيلسي أولاً في عام 2008، بينما خطا أرسنال خطوة أكبر بشراء شركة متخصصة في التحليل الإحصائي، وحتى جراهام عمل في البداية مع نادي توتنهام قبل الانتقال إلى ليفربول، ولكن في نهاية المطاف لم يتمكن مديرو هذه الأندية من تطبيق البيانات على أرض الملعب بطريقة قادرة على إحداث تأثير واضح، وبكل تأكيد لا تحرز المعادلات الرياضية الأهداف، ولكنها قادرة على اكتشاف اللاعبين القادرين على إحراز الأهداف.. وهذا ما فعله ليفربول.