السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

تكنولوجيا 5G تنتشر رغم «كورونا»

تكنولوجيا 5G تنتشر رغم «كورونا»

(أرشيفية)

كان من المفترض أن يكون العام الحالي 2020 عام انطلاق شبكات الجيل الخامس 5G على نطاق واسع، لتغطية مساحات كبيرة من العالم بتكنولوجيا الاتصال الجديدة، وكان من المتوقع أن يقدم كبار صناع الهواتف المحمولة بمن فيهم «أبل» أجهزة حديثة تستخدم هذه التقنية الجديدة، وأنه بعد سنوات طويلة من الحديث والدعاية وعمليات النشر التجريبية سيبدأ المستهلكون أخيراً في التمتع بفوائد التكنولوجيا اللاسلكية فائقة السرعة على أرض الواقع. ثم ضرب فيروس كورونا العالم!

انتشر الفيروس بشكل سريع في كل دول العالم تقريبا، ما تسبب في إغلاق مدن ودول بأكملها في محاولة لإبطاء انتشاره، واتخذت الصين ـ مصدر الفيروس ـ أولى القرارات الدولية بالإغلاق، الأمر الذي أبطأ إلى حد كبير إنتاج أجهزة موبايل «آيفون» والعديد من المنتجات الأخرى، لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد حيث تباطأت عجلة الاقتصاد الدولي بدرجة كبيرة الأمر الذي دعا الخبراء لوصف ما يحدث بـ«أسرع حركة انهيار اقتصادي في التاريخ».

تأجيل الخطط


نتيجة لهذا الأمر، تحطمت أمواج التفاؤل الاقتصادي، مع فقدان الملايين وظائفهم، الأمر الذي أثر بالطبع على العديد من القطاعات وأدى لتغيير جداول انطلاق تكنولوجيا الجيل الخامس عالمياً خاصة في المناطق ذات الإصابات الشديدة مثل الولايات المتحدة، ولكن رغم تلك الظروف استمر العديد من الشركات في تجهيز وإعداد المسرح لانطلاق التكنولوجيا الجديدة.


المدهش، أن الحاجة لتشغيل تكنولوجيا الجيل الخامس على نطاق واسع أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى، بعد أن قام فيروس كورونا بتغيير عالمنا بشكل جذري، خاصة مع حالة العزل العام التي فرضتها غالبية دول العالم وحاجة الملايين للعمل والدراسة من المنزل مما أجبرهم على استخدام خدمات الإنترنت السريعة من المنزل، وهو ما يمكن للجيل الخامس أن يساهم فيه بقوة.

من المعروف أن سرعات الإنترنت في الجيل الخامس تتراوح بين 10 و100 ضعف السرعات الحالية في الجيل الرابع 4G بالإضافة إلى سرعة الاستجابة، وهو ما يعنى إمكانية تحسين أداء جميع التطبيقات الرقمية من مؤتمرات الفيديو البسيطة إلى الاستشارات والكشف الطبي عن بعد وتقنيات الواقع المعزز وتطبيقات الواقع الافتراضي المتطور وغيرها من التقنيات التي تشهد صعوداً كبيراً في عالم ما بعد كورونا.

ويقول خبراء التقنية، إن الحديث عن المرونة المحتملة، والمدى الواسع للاتصال، والسرعات العالية التي تقدمها تكنولوجيا5G ربما تجعل الجمهور متشوقاً لتجربة واستخدام هذه التقنية، ولكن واقع الأمر يقول إن العالم سيحتاج لاستخدامها في أسرع وقت، ليس فقط لتنزيل مقاطع الفيديو بشكل أسرع، ولكن للبقاء على اتصال وتواصل مع الزملاء والأقارب، وأنه مع هجمة فيروس كورونا، تحولت تلك التقنية إلى النوع «الضروري والعاجل».

الحاجة الملحة للتطوير وارتفاع الطلب على هذه التكنولوجيا جعل كل مشغل لشبكات الاتصال في العالم وجميع مصممي أجهزة الهاتف يقومون بالتركيز عليها، الأمر الذي أدى –رغم الظروف- لسرعة نشرها مقارنة بالتكنولوجيا السابقة من نوعية 4G LTE، وتقول التقارير الحالية إنه قبل نهاية هذا العام ستكون جميع الأجهزة اللازمة للاستخدام على نطاق واسع قد أصبحت جاهزة للعمل في موقعها الملائم. بالإضافة إلى ذلك سوف تتوافر العشرات من موديلات الموبايل الجاهزة للعمل بهذه التقنية، لكن السؤال سيكون حول سعر طرحها بالسوق مع شكوك في إقبال الجمهور على الشراء مع المشاكل الاقتصادية الحالية.

ضغوط الإغلاق

شهدت الأشهر الماضية من العام الحالي، إلغاء العديد من الفعاليات المخططة مسبقاً في عالم الهاتف المحمول، حيث كان الحدث الأبرز هو إطلاق هاتف سامسونغ الجديدS20 في فبراير الماضي، ولكن بعدها مباشرة تم إلغاء المؤتمر العالمي للهاتف المحمول في فبراير قبل أسبوع من انطلاقه، وهذا المؤتمر هو أكبر حدث سنوي عالمي في مجال الصناعة، وكان مقرراً أن يشهد أوسع إطلاق لتكنولوجيا وأجهزة الجيل الخامس.

كان تأثير إلغاء المؤتمر على تكنولوجيا5G عنيفاً، ففي هذا الحدث اعتاد مشغلو شبكات الهاتف، ومصنعو الأجهزة إبرام الصفقات الكبيرة، ويقول التاريخ إن ظهور أول هاتف يعمل بنظام أندرويد في العالم T-Mobile G1 يعود إلى عشاء عمل أقيم على هامش المؤتمر، وهي اللقاءات التي ألغيت جميعاً هذا العام بسبب انتشار الفيروس.

وبعد 5 أيام من إلغاء المؤتمر، أكدت «أبل» أن تأثير الإغلاق على عمليات الشركة كان أكبر من التوقعات الأولى، خاصة في الصين والتي تعتبر مركزاً لتصنيع أجهزتها، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تقييد إمدادات أجهزة «آيفون» عالمياً بشكل مؤقت. وأثر الفيروس على العديد من الشركات الأخرى أيضا، حيث حذرت شركة سامسونغ أواخر إبريل الماضي من تأثير الإغلاق على أعمالها المختلفة، وأن الاستثمارات في شبكات 5G قد تواجه تخفيضات أو تأخيرات في كوريا وفي باقي أنحاء العالم.

والحقيقة أن أكبر تأثير ملحوظ للوباء كان في قطاع الهواتف الذكية، التي شهدت أكبر انخفاض لها على الإطلاق في الشحنات العالمية، حيث شهد شهر فبراير انخفاضاً بنسبة 38% إلى 61.8 مليون وحدة وفقاً لشركة «ستراتيجى أناليسيس» المتخصصة في الإحصائيات، وأرجع التحليل هذا الانخفاض الهائل إلى انهيار الطلب في آسيا.

وعلى الرغم من أن عمليات الإغلاق توسعت لتشمل غالبية أوروبا وأمريكا الشمالية، إلا أن صناعة الاتصالات لم تتأثر بعنف مثل الوقت الذي حدث فيه الإغلاق في الصين. ورغم ذلك، كان انتعاش الصناعة سريعاً مثل هبوطها السريع.

عودة الصين

على الرغم من الاهتمام العالمي بتكنولوجيا 5G إلا أن المركز الحقيقي للاستثمار بها يوجد في الصين. ومع الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الدولة مبكراً استطاعت الصين أن تعود للعمل بسرعة، وأصبحت تكنولوجيا الجيل الخامس حالياً واحدة من التقنيات التي لا غنى عنها للمتسوقين الصينيين، ووجد الباحثون أنه على الرغم من مرحلة عدم اليقين الحالية إلا أن الشركات الصينية تواصل بناء الشبكات الجديدة، وأن الجمهور ما يزال يشتري الهواتف الذكية.

شركة «إريكسون» عملاق الشبكات السويدي، تتوقع أن تتضاعف أعداد مستخدمي شبكات الجيل الخامس هذا العام رغم العقبات، ليصل إجمالي عدد المشتركين إلى 190 مليوناً معظمهم من الصين، ولكن في الوقت نفسه لن يكون السوق في أمريكا الشمالية وأوروبا بنفس القوة التي توقعتها الشركة سابقاً.

ويقول باتريك سيروال، رئيس التسويق الاستراتيجي في إريكسون إن الصين تقود هذا الاتجاه بشكل كبير، وإن الدولة هناك عملت جاهدة على توفير الأجهزة في المحال والتأكد من أن الناس يقومون بترقية الأنظمة للحزم الجديدة.

ورغم كل الظروف السلبية، تتوقع إريكسون أن تتعافي باقي المناطق العالمية خارج الصين، وأن تواكب توقعات الشركة بحلول نهاية 2025، وفي حين أن النسبة المئوية من سكان الصين التي تستخدم تقنيات5G ستكون أعلى من غيرها في البداية، إلا أن التوقعات تقول إن أمريكا الشمالية ستلحق بالركب في غضون عام أو عامين، وأنه بحلول 2025 سيكون 75% من الأشخاص في أمريكا مشتركين في تلك الخدمات.

بناء الأساسات

يعتمد انتشار تقنيات الجيل الخامس على محورين أساسيين: توافر الشبكة وتوافر أجهزة الهواتف القادرة على العمل مع تلك الشبكة. وبخصوص الشبكات فإن انتشار فيروس كورونا لم يؤثر على نشر البنية التحتية في غالبية الدول، وتستمر معظم شركات الاتصالات الكبرى في الولايات المتحدة في تشغيل تلك الخدمات في العديد من الأسواق كما يفعل المشغلون في الصين، ولكن الأسواق الأوروبية غير واضحة المعالم.

أطلقت شركات الاتصالات الأوروبية شبكات الجيل الخامس، ولكن الوباء أثار التساؤلات حول مدى السرعة التي يمكن أن تتسع بها الشبكات ونطاق استخدامها، كما تأخرت إجراءات ترخيص استخدام الطيف الترددي اللازم بسبب الوباء، الأمر الذي أثر على خطط العمل الموضوعة مسبقا، وهو نفس الأمر الذي حدث في كندا التي أجلت مزاد استخدام الطيف لمدينة أوتاوا من شهر ديسمبر إلى الصيف المقبل.

ولكن في الولايات المتحدة، تقترب الشركات من التغطية الواسعة وفق خطط العمل السابقة، ويقول المحللون إنه بحلول نهاية هذا العام سوف تمتلك أكبر 3 شركات اتصالات شبكات تقدم تقنية الجيل الخامس وتغطى غالبية الولايات، ويتوقع الخبراء أن تصل اشتراكات هذه التقنية إلى نسبة 8.4% من إجمالى الاشتراكات للشبكات اللاسلكية، وأنه بحلول نهاية 2021 ستصل نسبتهم إلى نحو 30% من إجمالي المستخدمين.

وبهذا الوضع، وعلى الرغم من قسوة ضربات كورونا على الصناعة والاقتصاد، إلا أن تكنولوجيا الجيل الخامس أثبتت أنها لم تتأثر كثيراً، وأن الجمهور والشركات جاهزون تماماً للانطلاق على أوسع مستوى.