الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

«روبوت» الطرقات جاهز للانطلاق

«روبوت» الطرقات جاهز للانطلاق

يشهد استخدام الأجهزة الآلية «الروبوت» توسعاً كبيراً في السنوات الأخيرة في العديد من المجالات المختلفة، خاصة مجالات الصناعات الدقيقة، ولكن الحاجة لتقليل الاحتكاك البشري مع انتشار فيروس كورونا دفعت استخدام الروبوت إلى مناطق أخرى أهمها مجال التوصيل، وهو ما يستلزم تحرُّك أجهزة الروبوت ذاتية القيادة في الطرق والمناطق العامة، الأمر الذي يحتاج إلى تغييرات واسعة في القوانين والتشريعات، تماماً مثلما حدث عندما بدأ استخدام السيارات كوسيلة نقل، ولكن الأمر لا يتم بسهولة مع وجود الكثير من المعارضة والمخاوف.

بالإضافة إلى الصين، تعد الولايات المتحدة من أوائل الدول التي تسعى لتوفير تشريعات مناسبة لاستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة، وتقود الجهود شركتا «أمازون» و«فيديكس» اللتان تمتلكان أكبر مشروع لنشر هذه الأجهزة في الولايات الأمريكية، ولإنجاز القوانين تستخدم الشركتان جماعات الضغط وأساليب الترويج للعوائد التي ستعود على المجتمع من خلال توطين التكنولوجيا الحديثة.

على سبيل المثال، دفعت جماعات الضغط في ولاية كنساس اتحاد البلديات للنظر في مشروع قانون من شأنه أن يؤثر على الحركة في مدن الولاية، يعمل هذا التشريع على تقنين «أجهزة التوصيل» والتي هي في حقيقة الأمر عبارة عن أجهزة روبوت تشبه ما يراه المتفرج في أفلام الخيال العلمي، ولكنها، عوضاً، عن الاشتباك في معركة بسيوف الليزر ستقوم بتوصيل كيس من البقالة أو صندوق أدوات أو وصفة طبية إلى باب المنزل. القانون المقترح يُحدِّد أقصى وزن لهذه الأجهزة بـ68 كلغ دون وزن الحمولة. بالإضافة إلى السماح للأجهزة بالحركة على أي رصيف أو ممر مشاة بسرعة تصل إلى 9 كم في الساعة وهي سرعة هرولة إنسان سريع.

المثير، أن مشروع القانون تمت صياغته بمساعدة شركة أمازون، وهو أمر لم تُخفه الشركة، ففي شهادة للدفاع عن المقترح أمام لجنة مجلس الولاية، قالت جيني ماسي، وهي عضوة جماعة الضغط في أمازون، إن مشروع القانون سوف يسمح لأجهزة مثل «سكاوت» وهو روبوت تنتجه الشركة، بإحضار الابتكار والتقنيات الجديدة إلى ولاية كانساس، وأشارت السيدة في الوقت نفسه إلى أن أمازون وظَّفت 3000 عامل واستثمرت 2.2 مليار دولار في الولاية منذ 2010.

يُقدِّم هذا القانون مثالاً واضحاً عن محاولات الاستجابة للتطور التكنولوجي، ويعلم الجميع أن الموافقة على هذا القانون وما يماثله لن تكون سهلة أو سريعة، مثلاً يتضمن مشروع القانون بنداً يمنع المدن والبلدات الصغيرة من إقرار لوائح مختلفة عن التي تُقرِّها الولاية، جاء اعتراض مسؤولي «كانساس سيتي» أن الروبوت سوف يستخدم الطرق العامة والأرصفة دون دفع مقابل للخزينة المحلية، بينما اعترض ممثلو بعض الشركات أن التشريع لم يتضمن متطلبات اختبار كافية للأمن، بينما اتفق جميع المعارضين أن الخوف الأكبر هو أن يحل الروبوت في النهاية محل العمال البشريين ويفاقم مشاكل البطالة.

في نهاية المطاف، فشل مشروع قانون كانساس في أن يتحول إلى تشريع نافذ، ولكن هذا الموقف كان عبارة عن معركة وحيدة في حرب أوسع، حيث استطاعت شركتا أمازون و«فيديكس» لخدمات التوصيل، أن تدعما وتُقدِّما تشريعات مختلفة لعمل روبوت التوصيل في أكثر من 12 ولاية أمريكية هذا العام فقط. تحوَّلت 6 منها على الأقل إلى قوانين نافذة.

تعمل كلٌّ من الشركتين على تطوير وتحسين هذه الأجهزة، مثلاً، استطاع روبوت فيديكس الذي يشبه الثلاجة الصغيرة ويحمل اسم «روكسو» تنفيذ اختبارات الحركة على الطرق في 4 مدن، كما يتم اختبار روبوت أمازون الذي يحمل اسم «سكاوت» في 4 مدن أخرى. أما عن طريقة العمل فهي تتشابه إلى حد كبير بين الشركتَين، حيث من المفترض أن تصل شاحنة توصيل ضخمة إلى أحد الأحياء، لتنطلق منها روبوتات التوصيل بالشحنات إلى العناوين المختلفة في المنطقة دون الحاجة لتدخل بشري.

الطريف في الأمر أن الروبوتات لم يتم إنتاجها على نطاق واسع، حتى الآن، فخلال الشهر الماضي ذكرت أمازون أنها تختبر عدداً قليلاً من هذه الأجهزة لتتأكد من عملها بشكل جيد. بينما كتب الرئيس التنفيذي لشركة فيديكس رسالة للمساهمين قال فيها إنهم يستعدون لجولة ثانية من جولات تجربة الروبوت «روكسو».

مجلة «ويرد» المتخصِّصة في التكنولوجيا أكَّدت أن المتحدث باسم أمازون لم يرد على أسئلتها حول دور الشركة في دعم إصدار قوانين الولايات المرتبطة بالروبوتات، ولكنه قال إن الشركة تدعم إصداراً مثل هذه التشريعات. بينما صرَّحت إيزابيل روليسون المتحدثة باسم فيديكس للصحيفة، إن شركتها تسعى للحصول على ترخيص تشغيل الروبوت في جميع أنحاء البلاد، وأنها لهذا الغرض تعمل بالتعاون مع قادة الولايات والسلطات المحلية لتنفيذ المزيد من الاختبارات على تلك الأجهزة.

وتتشابه مشروعات القوانين في غالبية الولايات، ولكنها في الوقت نفسه لا تتطابق، والفكرة العامة بها هي السماح للروبوتات بالحركة على بعض الأرصفة بسرعات تصل في بعض الأحيان إلى 15 كم في الساعة، بينما تضع بعض القوانين حدوداً للوزن (90 كلغ) بينما لا يذكر بعضها الوزن ضمن شروط التصريح.

ويقول المؤيدون إن هذه القوانين ستُبرز أهميتها في المستقبل، حيث يمكن توريد الطلبيات المنزلية في غضون ساعات قليلة مع تقليل عدد الشاحنات المتوقِّفة على الطريق والتي تؤثر على حركة المرور وترفع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مثلاً، يرى ديف مارسدن عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا والذي دعم إنجاز قانون الروبوت في ولايته، أن ما يحدث هو «بداية ثورة حقيقية في مجال النقل، لأن هذه الأجهزة تعمل بطريقة نظيفة لا تشوبها شائبة، وأنه بمجرد أن يعتاد الناس عليها سيسهل ذلك الطريق أمام موجات جديدة من التكنولوجيا».

وفي المقابل، يشعر آخرون بالقلق مما سيعنيه تطبيق هذه القوانين بالنسبة لمستقبل الأرصفة في الشوارع، حيث يقول آدم هولير عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ميتشغان، إنه يشعر بالقلق من فقدان السيطرة على هذه الأجهزة أثناء حركتها على الأرصفة وبين المارة، أو التسبب في العديد من الحوادث، ولهذا السبب صوَّت هولير ضد مشروع تسيير الروبوتات في شوارع الولاية.

ويطرح المعارضون مجموعة أخرى من المخاوف التي تتعلق بسرعة حركة الروبوتات، وما إذا كانت هذه الأجهزة آلية الحركة يمكن أن تصيب المارة عن غير قصد، أو تسبب الحوادث مع الحيوانات الأليفة، ويرى البعض أنه من الضروري توعية الناس بالتكنولوجيا الجديدة التي ستقتحم عليهم الحياة، خاصة أن هذه الآلات من صنع الإنسان وفي مرحلة إنتاجها الأولى وبطبيعة الحال لا يمكن توقع أن تأتي النتائج مثالية.

ولا يتوقف الأمر على الولايات المتحدة فقط، ففي اليابان سوف تبدأ شركة البريد باختبار روبوتات التوصيل في شوارع طوكيو، الشهر المقبل، بهدف تقليل عمليات الاتصال وجهاً لوجه، وأيضاً لمواجهة نقص العمال الذي يتزايد مع ارتفاع وسائل التسوق الإلكترونية عبر الإنترنت. تفتقر اليابان إلى الإطار التنظيمي لعمل هذه الأجهزة، وهو الأمر الذي تهدف حكومة «شينزو آبي» إلى تغييره قريباً بإقرار عدد من القوانين المنظمة للعمل.

وعلى الرغم من استخدام روبوتات التوصيل من قِبل بعض شركات التجزئة داخل المخازن، إلا أن هذه الشركات تتطلع لاستخدام الروبوتات على الطرقات العامة، وتتضمن التشريعات التي تُخطط اليابان لإصدارها اعتبار روبوت التوصيل بمثابة مركبات مزودة بمحركات وستحمل لوحات ترخيص، كما أنها ستعمل في نطاق يتراوح بين 1-2 كم لنقل الطرود إلى المتاجر والمستشفيات والمجمعات السكنية.

في الوقت نفسه تبحث بعض المدن الصينية السماح للروبوتات بالحركة على الطرقات، وبشكل أكثر تحديداً لتوصيل الإمدادات إلى المستشفيات خاصة في زمن انتشار كورونا، بينما في ألمانيا يتم استخدام هذه الأجهزة لتسليم البريد.

وفي كوريا الجنوبية، أصبحت الخدمة التي تسمح للروبوت بالانتقال بين المطاعم والشقق السكنية لتوصيل الطعام حقيقة واقعة هذا الشهر عندما بدأت إحدى الشركات استخدام الروبوت في مجمع سكنى متعدد الأغراض بمدينة سوون. ولضمان إجراءات السلامة أعدت الشركة المنتجة العديد من التدابير بما في ذلك الفحص الدقيق لحالة الطريق ومسارات الروبوت وضبطه للحركة البطيئة في الأماكن التي تشهد ازدحاماً في أوقات العمل.

ورغم المخاوف والاعتراضات، إلا أن الإطار التشريعي لتنظيم حركة الروبوت في الشوارع والطرقات يشق طريقه في العديد من دول العالم، ولذا من المتوقع أن يكون انتقال الروبوتات ذاتية القيادة في شوارع العواصم الدولية من المشاهد الطبيعية المألوفة قريباً.

عناوين فرعية

شركات التكنولوجيا تقود جماعات الضغط في أكثر من 12 ولاية أمريكية لتقنين عمل «روبوت التوصيل».

القوانين تضع حدوداً للوزن والسرعة لا تتجاوز 15 كم في الساعة.. ومخاوف من حدوث الأخطاء.

اليابان تتخلى عن الحذر وتعد الروبوت مركبةً مزودةً بمُحركات.. ووضع لوحات الترخيص شرط التشغيل.

كوريا الجنوبية تستخدم «الروبوت» في توصيل الطعام.. والصين في توصيل الإمدادات للمستشفيات.