تواجه القارة الأوروبية أزمة إمدادات الطاقة والتي تسببت في ارتفاع أسعار الغاز إلى أكثر من 4 أضعاف مقارنة بالمستويات التي كانت عليها في العام الماضي، وذلك بعد 4 أشهر فقط من تصريح المبعوث الأمريكي لأمن الطاقة، آموس هوشتاين، بأن أوروبا لم تبذل قصارى جهدها للاستعداد لموسم الظلام والبرودة القادم.
وبحسب تقرير حديث لوكالة بلومبيرغ، فإن هذه الأزمة تركت الاتحاد الأوروبي تحت رحمة الطقس ومكائد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكلاهما يصعب التنبؤ بهما.
وتعليقاً على الأمر، يقول ماكسيمو ميسينيلي، مدير برنامج الطاقة والمناخ في شركة الاستشارات «فليشمان هيلارد - الاتحاد الأوروبي»، إن «أزمة الطاقة ضربت الكتلة الأوروبية عندما كان أمن الإمدادات بنداً غير مدرج ضمن قائمة أولويات صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي». ويتوقع من أزمة الطاقة أن تبقى الأسعار في وضع متقلب، وأن تتسبب أيضاً في المزيد من التوتر السياسي بين الجهات التنظيمية في بروكسل وقادة الدول الـ27 الأعضاء في الكتلة.
وعلى الرغم من أن أزمة إمدادات الطاقة بلغت ذروتها بصورة مفاجئة، فإنه كانت تختمر منذ أعوام.
تمر أوروبا بمرحلة تحول في مجال الطاقة، وهي تغلق محطات الكهرباء العاملة بالفحم، وتزيد من اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة. وفي هذا السياق، تعتبر طاقة الرياح والطاقة الشمسية أنظف، إلا أنهما متقلبتان في بعض الأحيان، كما يظهر من الانخفاض المفاجئ في الطاقة المولدة من التوربينات الذي شهدته القارة العام الماضي.
تزايد النفوذ الروسي
بدا النفوذ المتزايد الذي تتمتع به موسكو على جيرانها، واضحاً في نهاية الشتاء الماضي، الذي كان شتاءً بارداً وطويلاً بشكل غير عادي، ما أدى إلى استنفاد مخزونات أوروبا من الغاز في وقت كانت اقتصاداتها تتعافى من الركود الناجم عن الوباء.
خلال فصل الصيف، بدأت شركة «غازبروم» الروسية التي تسيطر عليها الدولة، في وضع حد لتدفقات الغاز إلى القارة العجوز، وهي خطوة أدت إلى تفاقم النقص الناجم عن الصيانة المؤجلة في حقول النفط والغاز في بحر الشمال، كما إنها زادت مستوى المخاطر في مشروع خط الأنابيب الباهظ الكلفة الذي طال انتظاره ودعمه الكرملين.
في الوقت ذاته، كانت دول من اليابان إلى الصين، تعزز وارداتها من الغاز الطبيعي المسال استعداداً لفصل الشتاء القادم، وهي جهود تركت أوروبا تكافح لتعزيز مخزوناتها المتضائلة خلال الأشهر الدافئة، والتي تكون فيها أسعار الغاز أقل كلفة.
مع ذلك، لم يساور قادة أوروبا أي قلق، بل كشفت المفوضية الأوروبية في 14 يوليو، عن الحزمة الأكثر طموحاً في العالم للقضاء على الوقود الأحفوري، في محاولة لتجنب أسوأ العواقب المترتبة على تغير المناخ. ومع تركيزهم على أهداف طويلة المدى، مثل الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 1990، لم يقدّر الساسة الأوروبيون بشكل كافٍ بعض العثرات المحتملة الكامنة على الطريق نحو إزالة الكربون.
الاعتماد على الواردات
كان إنتاج أوروبا من الغاز الطبيعي في حالة انخفاض على مدى أعوام، ما جعلها أكثر اعتماداً على الواردات. والآن، تقف روسيا على أهبة الاستعداد لتعزيز مكانتها باعتبارها أكبر مورّد للكتلة. وقد استثمرت شركة «غازبروم» وشركاؤها الأوروبيون ما يصل إلى 11 مليار دولار في مشروع «نورد ستريم 2»، وهو خط أنابيب طوله 1230 كيلومتراً (764 ميلاً) يمتد تحت بحر البلطيق من روسيا إلى ألمانيا.
بعدما تأخّر «نورد ستريم 2» مراراً وتكراراً بسبب العقوبات الأمريكية، واجه المشروع عقبة أخرى هذا الخريف، عندما تولّت حكومة ائتلافية جديدة السلطة في ألمانيا، وعلّقت هيئة تنظيم الطاقة في البلاد الموافقة النهائية على المشروع القائم منذ عقد من الزمان. هذه الخطوة تسببت في اضطرابات إضافية في أسواق الطاقة الأوروبية، حيث كانت أسعار الغاز تحطم الأرقام القياسية يوماً تلو الآخر منذ يوليو. وفي خطاب متلفز في 24 ديسمبر، ركّز بوتين على فوائد خط الأنابيب المثير للجدل بالنسبة إلى أوروبا، قائلاً إن «الكميات الإضافية من الغاز في السوق الأوروبية، من شأنها أن تخفّض بلا شك السعر على الفور».
أسهمت الزيادة الأخيرة في واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، في توفير بعض الإغاثة، إلا أن ذلك يظل أمراً مؤقتاً في أحسن الأحوال.
في الوقت ذاته، أدى توقّف فرنسا عن تشغيل العديد من مفاعلاتها لأغراض الصيانة والإصلاحات، إلى خفض طاقتها النووية بنسبة 30% في أوائل يناير، في وقت تمضي ألمانيا بدورها في خططها لإغلاق منشآتها النووية كافة.
احتمال نفاد المخزون
اليوم، وعلى أبواب أبرد شهرين من الشتاء، هناك مخاوف جدية من احتمال نفاد الغاز في أوروبا في ظل استمرار المعاناة، إذ إن نسبة امتلاء مستودعات التخزين تبلغ 56% فقط، أي أقل من المتوسط في 10 أعوام بأكثر من 15%.
يقول سيباستيان بليشكي، رئيس اتحاد مشغّلي أنظمة تخزين الغاز والهيدروجين في ألمانيا (INES): «لم نعانِ من مستويات التخزين المنخفضة نسبياً في مثل هذا الوقت من العام، في أي من الأعوام الماضية منذ بدء السجلات».
وباستثناء ارتفاع الصادرات الروسية، وهو أمر لا يبدو أنه من ضمن أوراق اللعب الموضوعة على الطاولة، فإن المستويات ستكون أقل من 15% بنهاية مارس، وهو أدنى مستوى مسجل على الإطلاق، بحسب شركة الأبحاث «وود ماكنزي» (Wood Mackenzie). وهذا بافتراض أن الأحوال المناخية عادية.