الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

صندوق النقد: تعدد الأقطاب سيكون «كارثة» على الاقتصاد العالمي

صندوق النقد: تعدد الأقطاب سيكون «كارثة» على الاقتصاد العالمي

قال صندوق النقد الدولي إن العالم يسير نحو عالم متعدد الأقطاب بصورة أكبر بالنظر إلى صعود الأسواق الناشئة في الاقتصاد العالمي، لكن الأمر سيكون كارثياً إذا انقسم الاقتصاد العالمي إلى أنظمة متنافسة بمعايير مختلفة.

وأبلغ بيير- أوليفييه جورينشا كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي الصحفيين أن انتقالاً منظماً إلى عالم متعدد الأقطاب سيكون نتيجة مفضلة لأنه سيحافظ على مكاسب العولمة ويحميها.

وقال على هامش اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد لفصل الربيع في واشنطن: «أحد السيناريوهات هو أن يكون لدينا كتل منقسمة لا تتعامل كثيراً مع بعضها البعض ولها معايير مختلفة، وذلك سيكون كارثة على الاقتصاد العالمي»، مضيفاً أن هذه مخاطرة على المدى الطويل.

موجات زلزالية

حذّر صندوق النقد الدولي الثلاثاء من أنّ تداعيات الحرب في أوكرانيا على اقتصاد العالم هي أشبه بزلزال، مخفّضاً بشكل حادّ تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي في 2022 ومتوقعاً استمرار التضخّم لا سيّما في الاقتصادات الناشئة. وشبّه بيار- أوليفييه غورينشا، كبير الاقتصاديين المعين حديثاً في الصندوق، هذه التداعيات بـ«موجات زلزالية مصدرها مركز الزلزال» الذي ضرب العالم في 24 فبراير مع بدء العمليات الروسية في أوكرانيا.

ووفقاً للتوقعات المحدّثة التي نشرها الصندوق بمناسبة اجتماعات الربيع فإنّ الاقتصاد العالمي سينمو في 2022 بنسبة 3.6% (مقابل 4.4% توقّعها الصندوق في يناير).

وقال غورينشا خلال مؤتمر صحفي إنّ النموّ يمكن أن يتباطأ أكثر إذا اجتمعت عوامل ثلاثة هي «تشديد العقوبات المفروضة على روسيا وتراجع ثقة المستهلكين وتقلّب في الأسواق المالية».

وفي تقريرهم قال اقتصاديو صندوق النقد إنّه إذا كانت «الدول المتضرّرة مباشرة من النزاع والعقوبات هي أوكرانيا وروسيا وبيلاروس» فإنّ «التداعيات الدولية تمتدّ إلى أبعد من ذلك بكثير، لا سيّما إلى أوروبا، من خلال أسعار المواد الأساسية، والعلاقات المالية والتجارية وإمدادات (الغذاء والطاقة) والتداعيات الإنسانية».

وأوضح التقرير أنّ السبب في هذه المروحة الواسعة من التداعيات هو أنّ روسيا وأوكرانيا هما من أهم مورّدي الحبوب لدول كثيرة وروسيا هي أيضاً مصدّر أساسي للطاقة إلى أوروبا.

ومن هنا عمدت المؤسسة المالية الدولية التي تتّخذ مقرّاً في واشنطن إلى خفض توقعاتها الاقتصادية للغالبية الساحقة من الدول.

ووفقاً للتوقعات الجديدة فإنّ إجمالي الناتج المحلّي في الولايات المتّحدة، أكبر اقتصاد في العالم، سينمو هذا العام بنسبة 3.7%.

وقال التقرير إنّ هذه التوقعات الجديدة تأخذ في الاعتبار ما أقدمت عليه الولايات المتحدة من «وقف بأسرع مما كان متوقعاً للدعم النقدي لاحتواء التضخّم، وكذلك تأثير نمو أضعف لشركائها التجاريين... بسبب الحرب» في أوكرانيا.

أما الصين، ثاني قوة اقتصادية في العالم، فيعاني اقتصادها من جهته سياسة عدم التساهل بتاتاً مع جائحة كوفيد التي أدّت إلى فرض قيود عديدة، بما في ذلك في شنغهاي، العاصمة الاقتصادية للبلاد.

منطقة اليورو

وإذا كان النمو المتوقع في إجمالي الناتج المحلّي في أكبر اقتصادين في العالم سيتباطأ ببضعة أعشار النقاط فإنّ التراجع سيكون أكبر بكثير في دول منطقة اليورو: + 2.8% مقابل +3.9% في التوقعات السابقة في يناير، وبحسب التوقّعات المحدّثة للصندوق فإنّ المحرّك الاقتصادي للمنطقة، ألمانيا، التي تعتمد بشكل كبير على روسيا في إمدادات الطاقة، سيتباطأ النمو الاقتصادي فيها بنسبة 1.7 نقطة إلى 2.1%.

وعزا الصندوق هذا التراجع الكبير إلى أنّ الألمان «هم مستوردون للطاقة، وبالتالي فإنّ ارتفاع الأسعار العالمية يمثّل صدمة سلبية». وفي فرنسا يتوقّع الصندوق تراجع النمو إلى 2.9%، أما في إيطاليا فالنسبة الجديدة المتوقعة هي 2.3%.

أما روسيا فسيشهد إجمالي ناتجها المحلّي هذا العام انكماشاً بنسبة ضخمة تناهز 8.5%، بحسب التقرير.

وإذا كانت هذه هي حال روسيا فإنّ حال أوكرانيا أسوأ بأضعاف، إذ توقّع الصندوق أن يتقلّص إجمالي الناتج المحلّي لأوكرانيا هذا العام بنسبة تصل إلى 35%، بالنظر إلى الدمار الهائل الذي أدّى لفرار ملايين السكّان.

وحتى إذا توقّفت الحرب في أوكرانيا اليوم فإنّ البلاد ستحتاج إلى سنوات عديدة للتعافي من هذا النزاع.

وفي أنحاء أخرى من العالم، يبدو الوضع جيّداً بالنسبة إلى الدول المصدّرة للنفط لأنها ستستفيد من ارتفاع أسعار الذهب الأسود.

تضخّم

ولفت صندوق النقد في تقريره إلى أنّ ما زاد من تأثير الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي هو أنّها حدثت عندما لم يكن الاقتصاد العالمي قد تعافى بالكامل من جائحة كوفيد.

وأدّت الحرب أيضاً إلى زيادة كبيرة جداً في أسعار السلع، ويتوقّع صندوق النقد الدولي في تقريره أن تبلغ نسبة التضخّم هذا العام في الدول المتقدّمة 5.7% (+1.8 نقطة) و8.7% (+2.8 نقطة) في الاقتصادات الناشئة والنامية.

وإذا كان التقرير يتوقّع أن تصل الأسعار إلى ذروتها هذا العام، فإنّ هذا لا يعني أنّ الوضع في 2023 سيكون وردياً، إذ يتوقّع الصندوق أن يظلّ التضخّم مرتفعاً كثيراً في الدول النامية والناشئة (6.5%) وأن يظلّ أعلى من أهداف البنوك المركزية في الدول المتقدّمة.

كما خفّض صندوق النقد توقّعاته للنمو العالمي لعام 2023 (+3.6% أي أقلّ ب0.2 نقطة من التوقعات السابقة)، وعزا السبب في ذلك إلى كثرة السحب السوداء في الأفق.

اضطرابات اجتماعية

بالنسبة للصندوق، يتمثّل الخطر الأكبر في أن تتواصل الحرب في أوكرانيا ويطول أمدها، الأمر الذي سيؤدّي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتشديد العقوبات.

وحذّر التقرير كذلك من خطر أن يؤدّي ارتفاع الأسعار إلى إثارة احتجاجات اجتماعية يمكن أن تتفاقم خصوصاً في الدول التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين.

وبالإضافة إلى ذلك، لفت صندوق النقد الدولي في تقريره إلى أنّ «مستويات المديونية القياسية الناجمة عن الجائحة تجعل الأسواق والاقتصادات النامية أكثر عرضة لارتفاع أسعار الفائدة».

وعلاوة على ذلك، لا يستبعد التقرير عودة الجائحة إلى التفشّي.

كما حذّر الصندوق من أنّ «الشرخ في العلاقات الدولية يمكن أن يؤدّي إلى تقويض الثقة والتعاون الضروريين لمواجهة التحدّيات الطويلة الأجل، لا سيّما التغيّر المناخي».

اختبار صمود النظام المالي العالمي

حذر صندوق النقد الدولي في تقرير الاستقرار المالي العالمي نصف السنوي الذي صدر اليوم من أن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى زيادة مخاطر الاستقرار المالي «على عدة جبهات» وسيختبر صمود النظام المالي العالمي في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة بشكل حاد.

وأضاف الصندوق أنه على الرغم من عدم وجود حدث مالي شامل عالمي حتى الآن، فإن هناك عدة قنوات يمكن من خلالها أن يزيد تأثير الاضطرابات في أوكرانيا على النظام المالي.

وقال تقرير الصندوق إن ذلك يتضمن الانكشافات المباشرة وغير المباشرة للبنوك والشركات غير المصرفية على روسيا واضطرابات أسواق السلع الأساسية وضعف سيولة السوق وضغوط التمويل والهجمات الإلكترونية وتسارع استخدام الأصول المشفرة.

وقال صندوق النقد الدولي «في حين أثبت النظام المالي صموده في مواجهة أحدث الصدمات، فإن الصدمات المستقبلية قد تكون أكثر ضرراً».

وأضاف قائلاً «إعادة تسعير مفاجئة للمخاطر الناتجة عن اشتداد الحرب وما يرتبط بها من تصعيد للعقوبات ربما تُظهر بعض نقاط الضعف التي تراكمت خلال الجائحة وتتفاعل معها، ما يؤدي إلى انخفاض حاد في أسعار الأصول».

وأوضح التقرير أن انكشاف البنوك العالمية على روسيا وأوكرانيا متواضع نسبياً ويقتصر على عدد قليل من البنوك الأوروبية. بيد أنه من غير الواضح مدى الانكشاف غير المباشر للشركات المالية على الصراع لأن الإفصاحات غير مكتملة وغير متسقة.

خفض توقعات النمو العالمي

خفض صندوق النقد الدولي النمو الذي يتوقعه للاقتصاد العالمي بنحو نقطة مئوية كاملة، وحذر من أن التضخم صار «خطراً واضحاً وحاضراً» على دول كثيرة.

وقال إنه يتوقع أن تتسبب الحرب في إبطاء النمو وزيادة التضخم، منوهاً إلى أن توقعاته تأتي في ظل «ضبابية مرتفعة بشكل غير عادي».

وقد يزداد النمو تباطؤاً والتضخم ارتفاعاً بفعل فرض المزيد من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي واتساع نطاق الحرب وتباطؤ أكثر حدة من المتوقع في الصين واحتدام الجائحة من جديد، في حين قد يتسبب ارتفاع الأسعار في اضطرابات اجتماعية.

وقال الصندوق، الذي خفض توقعاته للمرة الثانية هذا العام، إنه الآن يتوقع نمواً عالمياً 3.6% في 2022 و2023، بانخفاض 0.8 و0.2 نقطة مئوية عن توقعاته الصادرة في يناير، وذلك نظراً للتأثيرات المباشرة للحرب على روسيا وأوكرانيا وتداعياتها العالمية.

العقوبات تهبط بالناتج المحلي لروسيا

قال كبير الخبراء الاقتصاديين بصندوق النقد الدولي إن تشديد الدول الغربية للعقوبات على روسيا لتستهدف صادرات الطاقة بسبب حربها في أوكرانيا سيتسبب في مزيد من الهبوط الحاد في الناتج الاقتصادي لروسيا بما يصل إلى 17% بحلول 2023.

وأبلغ بيير- أوليفييه جورينشا الصحفيين أن التوقعات الحالية لصندوق النقد تشير إلى انكماش قدره 8.5% في الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لعام 2022.

وقال «لهذا فإن العقوبات لها بالفعل تأثير كبير جداً على الاقتصاد الروسي وقد يكون لها تأثير أكبر إذا شهدت مزيداً من التشديد».

صورة قاتمة للاقتصاد العالمي

قدم صندوق النقد الدولي صورة قاتمة لمعدلات التضخم وتداعيات الغزو الروسي، حيث خفض من توقعاته بالنسبة للنمو الاقتصادي العالمي.

ويواجه العالم بالفعل مشاكل متعلقة بالتضخم، ويرجع ذلك من جانب إلى السياسة النقدية الفضفاضة في الكثير من الدول الغنية، ومن الجانب الأخر إلى مشاكل الإمداد التي فاقمتها تداعيات جائحة كورونا.

وفاقم الغزو الروسي من الوضع بسبب مسؤولية روسيا وأوكرانيا عن إمدادات سلع رئيسية من الطعام والوقود. ويشار إلى أنه لا يمكن حالياً الوصول للكثير من واردات أوكرانيا بسبب الغزو، كما أنه لا يمكن الحصول على الكثير مما تقوم روسيا ببيعه بسبب العقوبات المفروضة عليها.

وحذر البنك من أن الطبقات المتعددة من المشاكل تجعل التوقعات عرضة للتغير السريع والحاد في المستقبل. وذلك حتى دون الأخذ في الاعتبار تعرض الاقتصاد لضربة أخرى في حال ظهور متحورات لكورونا وفرض إجراءات إغلاق.

ويبدو أنه من المرجح أن يستمر معدل البطالة مرتفعاً ولفترة أطول من التوقعات الأولية بسبب جميع المتغيرات. وتوقع البنك اليوم أن يبلغ معدل التضخم 7ر5%، بارتفاع بواقع 8ر1 نقطة مقارنة بتوقعات يناير الماضي. وأشار البنك إلى أن معدل التضخم سوف يرتفع إلى 7ر8% في الاقتصاديات الناشئة والنامية، بارتفاع بواقع 8ر2 نقطة مقارنة بالتوقعات السابقة.