قبل أكثر من 600 عام، قام أحد المسلمين الصينيين بالإبحار على متن سفينة ضخمة ضمن أول وفد صيني رسمي إلى شبه الجزيرة العربية.
في تلك الرحلة، التي ضمت أسطولاً من 57 سفينة وهي تحمل كميات كبيرة من المنتجات الصينية، كانت المهمة الرئيسة للرحالة المسلم، "ما هوان"، الذي كان يجيد اللغة العربية بطلاقة، القيام بالترجمة لقائد الحملة، الأدميرال زينغ هي. في الفترة من بدايات إلى منتصف القرن الـ15، قام الأدميرال زينغ هي بعدد من الرحلات البحرية الاستكشافية في المحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر، وهي الرحلات التي خلدتها الذاكرة الصينية كأنموذج لدبلوماسية طريق الحرير.
وصف الرحالة المسلم، ما هوان، مشاعره الحميمية تجاه التجار المسلمين الذين قابلهم خلال رحلاته في مذكراته. ومن الواضح، أن المناطق القريبة من المحيط الهندي وبحر العرب كانت تحظى بشبكة واسعة من التجار المسلمين والمتحدثين باللغة العربية.
أسترجع هذه الرحلة التاريخية، وأنا أتابع مقابلة مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي مع قناة "سي سي تي في" الصينية. أشار سموه فيها إلى الدور الحيوي للصين في إعادة إحياء طريق الحرير، مع التركيز على دور دولة الإمارات في صياغة مستقبل التجارة والتواصل في مختلف أنحاء القارة الآسيوية.
قبل 600 سنة، كانت هناك حركة تجارية نشطة بين عدد من المدن الساحلية في شبه الجزيرة العربية والصين، لكن بعد فترة قصيرة من المهمات التي قام بها الأدميرال زينغ هي، قرر حكام الصين آنذاك الاكتفاء من الرحلات الاستكشافية، وبدأوا في عزل بلادهم تدريجياً عن العالم.
في تلك الفترة، كانت الصين الإمبراطورية الأكثر ثراء في العالم، لكن قرار الانسحاب من الانخراط مع العالم جاء في وقت بدأت فيه الدول الأوروبية والمكتشفون والتجار في وضع بصماتهم على عدد من المناطق والمحيطات والبحار.
مع تراجع الصين، بدأت أوروبا صعودها المستمر لأكثر من خمسة قرون.
في الوقت نفسه، حققت القارة الأوروبية الكثير من التطور في مجال الابتكار من جهاز الطباعة إلى الاكتشافات الطبية والعلمية والصناعية.. كان الغرب يتقدم ويصعد، بينما يعم الركود في الشرق.
في الوقت الحالي، يشهد الاقتصاد العالمي تحولات كبيرة، ويميل الميزان لصالح الشرق مجدداً، كما أوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في مقابلته مع قناة "سي سي تي في"، حيث قام بتذكير مشاهدي القناة الصينية، الذين يصل عددهم إلى أكثر من مليار شخص حول العالم، بخطاب ألقاه قبل 16 عاماً في البحرين، وقال فيه إن "موازين القوى والمستقبل تتجه شرقاً".
اليوم، تعتبر الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والدولة الثانية من حيث حجم التبادل التجاري. كذلك، فإن الصين في مقدمة الشركاء التجاريين للدول العربية، ومن أكبر مصادر الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ويلاحظ أن الإمارات شهدت نمواً شاملاً ومتسارعاً مثل المسيرة التي عرفتها الصين، ومن المنطقي أن تقوم الدولتان بتعزيز علاقاتهما. ويرى المسؤولون الصينيون في الإمارات جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق. في الواقع، فإن قادة الإمارات بدأوا في بناء استراتيجية الحزام والطريق الخاصة بهم قبل سنوات من إعلان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن رؤية الحزام والطريق في عام 2013، حيث قاموا ببناء البنية التحتية اللازمة للتواصل التي تمهد الطريق لتعزيز التجارة العالمية.
لذلك، فإن الصين عندما بدأت البحث عن شركاء مبادرة الحزام والطريق، كانت دولة الإمارات الاختيار الأكثر بروزاً حيث تمتلك بنى تحتية وبيئة أعمال بمستويات عالمية، وهو ما يفسر الاستثمارات الصينية بمليارات الدولارات في موانئ الإمارات، إن أردنا ذكر مثال واحد لاهتمامها بتعزيز الشراكة مع الإمارات.
وأود التركيز على أن الإمكانات لتعزيز العلاقات بين الصين والإمارات أكبر من مجرد الروابط التجارية التاريخية والبنى التحتية للتواصل، حيث تقوم الدولتان بدعم صناعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطاقة المتجددة، وأصبحت الصين رائدة عالمياً في صناعة البطاريات الكهربائية للسيارات. وفي كل عام، تقبل مئات الشركات والمبتكرين من الصين على المشاركة في أسبوع أبوظبي للاستدامة لعرض منتجاتهم في مجال الطاقة المتجددة.
ومع تطور الإمارات في صناعات الجيل المقبل مثل أبحاث الفضاء والطباعة ثلاثية الأبعاد، فإن الدولتين ستكون لهما أرضية مشتركة تتجاوز الصلات التجارية والتواصل عبر مبادرة الحزام والطريق.
وعندما يتأمل المرء في مسيرة الدولتين، يلاحظ أنهما تعملان منذ وقت طويل من أجل هذه اللحظة، وآمل أن تجد قناة "سي سي تي في" الصينية الوقت لاستكشاف الشركات التكنولوجية الناشئة في دولة الإمارات، وتنوع الشركات والمبادرات التي تتولى زمام القيادة في صناعات المستقبل.