يأتي القطاع المصرفي المصري ضمن الأبرز في وجهة الاستثمار الخليجي خلال السنوات الأخيرة، حيث وصل عدد البنوك الخليجية في مصر إلى 10 بنوك، في ضوء حجم السوق وإمكانات التوسع ضمن خطط الشمول المالي التي تعمل عليها الحكومة المصرية، حيث يمثل متعاملو البنوك المصرية الحاليون نحو 33% فقط من إجمالي سكان الدولة الذين يصل تعدادهم لنحو 100 مليون مواطن.
ويبرز سعي البنوك الخليجية للاستحواذ على بنك عودة مصر مكانة القطاع المصرفي المصري، إذ أكد خبراء ومصرفيون أن توسع الاستثمارات الخليجية بالقطاع المصرفي في مصر يأتي بدعم الاستقرار الذي يتمتع به القطاع، وسط توقعات باستمرار نموه في الفترة المقبلة.
وأكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أن النظام المصرفي في مصر سيبقى مستقراً على مدى الـ12حتى الـ18 شهراً المقبلة، وذلك بدعم معدلات السيولة المرتفعة والنمو الاقتصادي القوي الذي سيرفع الطلب على الائتمان.
وفي الوقت الذي تعاني فيه البنوك اللبنانية من الأزمات التي دفعت بنك عودة للتخارج من مصر، تُبرز عروض الاستحواذ الخليجية على البنك مكانة القطاع المصرفي المصري، حيث تشير الأنباء الصحافية إلى تلقي عودة اللبناني 3 عروض من بنوك خليجية، هي بنك الكويت الوطني، وأبوظبي الأول، والإمارات دبي الوطني.
وفي الأسبوع الماضي أعلن بنك أبوظبي الأول، رسمياً الدخول في مناقشات حصرية مع بنك عودة للنظر في إمكانية الاستحواذ على نشاط البنك بالكامل في مصر ضمن استراتيجية البنك للسعي إلى فرص للنمو في الإمارات وأسواق مستهدفة.
وقال أحمد الخولي رئيس قطاع الخزانة ببنك التعمير والإسكان إن القطاع المركزي المصرفي المصري تمكن خلال السنوات الماضية من تحقيق طفرة كبيرة عززت مكانته في المنطقة.
وحول عروض الاستحواذ الخليجية التي تلقاها بنك عودة مصر، أشار إلى أن البنوك الخليجية تمتلك فائضاً وتتجه لاستثماره في مصر في ظل الاستقرار والنمو الذي يتمتع به القطاع، فضلاً عن ربحيته المضمونة وشح المخاطر بالاستثمار فيه.
ولفت الخولي إلى أنه من المتوقع نمو القطاع المصرفي في 2020، خاصة مع الزيادة المتوقعة في الائتمان بدعم قرارات المركزي بخفض أسعار الفائدة.
وتوقع الخولي خفض أسعار الفائدة في مصر خلال العام الجاري بما يتراوح بين 2 و3%، موضحاً أن خفض الفائدة يحمل تأثيراً إيجابياً على الائتمان، فيما يؤثر سلبياً على قطاع الخزانة.
وبدأ المركزي المصري سياسة التيسير النقدي العام الماضي من خلال خفض أسعار الفائدة بنحو 450 نقطة على مدار العام.
ومن جهته أرجع فخري الفقي عضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري السابق زيادة استثمارات البنوك الخليجية في مصر واهتمام المصارف الخليجية بصفقة عودة مصر إلى استقرار القطاع المصرفي في مصر بالفترة الماضية، متوقعاً استمرار نمو ونشاط القطاع بالقترة المقبلة.
وقال مستشار صندوق النقد الدولي السابق إن قانون البنوك الجديد ونتائج الإصلاح الاقتصادي الذي أجرته مصر يدعم القطاع المصرفي ومعدلات نموه بالفترة المقبلة، فضلاً عن السياسة التوسعية التي يجريها المركزي المصري من خلال خفض أسعار الفائدة، وتنعكس إيجابياً على نمو القطاع.
وبدوره توقع أبانوب مجدي محلل أول قطاع البنوك في بلتون نمو القطاع المصرفي المصري في 2020 بدعم 4 عوامل، موضحاً أن النمو القوي المتوقع في قطاع ودائع الأفراد يساهم في توسع المركز المالي للبنوك في مصر.
وعن العامل الثاني أشار إلى زيادة نسبة الإقراض بدعم التعافي في معدلات الاستهلاك التي يعززها تراجع معدلات التضخم، مشيراً أيضاً إلى الزيادة المتوقعة في مساهمة القطاع الخاص في نسب الإقراض، خاصة في مجلات الصناعة، والتي تعد العامل الثالث لدعم القطاع بالعام الجاري.
وحول معدلات الإقراض أشار إلى أن الملاءة المالية للبنوك تسمح بزيادة معدلات الإقراض بدعم معدلات كفاية رأس المال.
وعن العامل الأخير أشار إلى توقعات تحسن جودة الأصول في العام الجاري مع انخفاض معدلات التضخم وزيادة حصة القطاع الخاص في الاستثمارات، فضلاً عن تحسن نسبة الديون المتعثرة.
ورفع البنك المركزي المصري نسبة تغطية خدمة الدين لإقراض المستهلكين (قروض شخصية وقروض السيارات) من 35% إلى 50% من قيمة الدخل الشهري للمقترض في محاولة لتعزيز مستويات الاستهلاك.
وترى بحوث بلتون في مذكرة بحثية حديثة أن القرار له تأثيرات إيجابية على نمو محفظة الإقراض لدى البنوك المحلية التي لديها قاعدة قوية من عملاء التجزئة، وتحديداً بنوك التجاري الدولي وكريدي أجريكول وأبوظبي الإسلامي - مصر.
وتوقعت بلتون نمو ربحية البنوك إثر ارتفاع معدلات توظيف القروض والمساهمة الأكبر للدخل من العمولات وارتفاع آجال الأصول.
ومن جانبه قال أحمد محمد الإمام الخبير الاقتصادي إن الجهاز المصرفي المصري يشهد تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية منذ قرار تحرير سعر الصرف، مشيراً إلى أن البنوك المصرية جاءت بالمرتبة الأولى من حيث تحقيق أكبر معدل نمو في القطاع المصرفي العربي خلال العام الماضي، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
وفيما يخص مفاوضات الاستحواذ على بنك عودة مصر، أشار مدير عام أوراق للدراسات والاستشارات الاقتصادية إلى أن قوة القطاع المصرفي المصري ساهمت في سعي نحو 3 بنوك خليجية للدخول في مفاوضات الاستحواذ بالمرحلة الأولي.
وقال الإمام إلى إن مصر تسعى لتعزيز الشمول المالي والتكنولوجيا الرقمية، لافتاً إلى أن عدد المتعاملين مع القطاع المصرفي بلغوا نحو 33% من إجمالي المواطنين، وهناك نحو 50% من الحسابات المفتوحة في القطاع المصرفي غير فعالة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن المركز المالي للبنوك المصرية تجاوز 5.5 تريليون جنيه، فيما تخطت ودائع القطاع المصرفي المصري 4 تريليونات جنيه، كما ارتفعت أرصدة التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك إلى 1.9 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر 2019.
وتابع: «وفقاً لمقررات بازل 3، قرر المركزي المصري أن يكون الحد الأدنى لرأس مال البنك العامل في مصر 5 مليارات جنيه، مع رفع الحد الأدنى لرؤوس أموال البنوك الأجنبية العاملة في مصر (التي تعتبر فروعاً عاملة في مصر تنتمي لبنوك أجنبية قائمة خارج مصر) من 50 مليون دولار إلى 150 مليون دولار».
ويضم السوق المصري 5 بنوك إماراتية كبيرة هي أبوظبي الأول، والإمارات دبي الوطني، والاتحاد الوطني، وأبوظبي الإسلامي، والمشرق، وفي حالة الاستحواذ على بنك عوده من قبل أبوظبي الأول سترتفع حصة البنوك الإماراتية في السوق المصري.
قال حسام الغايش الخبير الاقتصادي إن القطاع المصرفي المصري مثير للاهتمام وتعمل به 38 بنكاً، لافتاً إلى أن البنك المركزي المصري لم يعط رخصة لبنك تجارى منذ عام 1979، لذلك أصبحت الطريقة الوحيدة لدخول السوق المصري هي الاستحواذ على بنك محلي أو أجنبي.
ولفت الغايش إلى أن 3 بنوك حكومية تستحوذ على 40% من أصول القطاع المصرفي المصري، والتي تتمثل في الأهلي ومصر والقاهرة، في حين يتوزع باقي حصة السوق على البنوك المحلية الخاصة والعامة وفروع البنوك الأجنبية والبنوك المتخصصة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مؤشرات القطاع المصرفي المصري مقارنة بدول المنطقة والأسواق الناشئة تبرز قوة وتنافسية البنوك المصرية، وذلك من حيث مؤشرات السلامة المالية والسيولة والقاعدة الرأسمالية، موضحاً أن تحفظات البنك المركزي كانت بدافع وقاية القطاع ضد عدة صدمات هزت الاقتصاد العالمي والمحلي خلال العقديين السابقين.
وذكر أن التحول للاقتصاد الرقمي سيسمح بجذب الاقتصاد غير الرسمي للعمل من خلال القنوات الشرعية، وخاصة الجهاز المصرفي، وبالتالي ينعكس على أداء القطاع وربحيته.