السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

ماذا لو كان العالم بلا إنترنت في زمن كورونا ؟

هل كان باستطاعة البشر دون وجود شبكة الإنترنت أن يتجاوزوا أوقات الحظر والحجر الطبي والعزل الاجتماعي وسط انتشار وباء «كورونا» في أنحاء دول العالم؟ وهل كانت البشرية قادرة على إنجاز كل ما يمكن إنجازه رغم الحصار وتقطع السبل بالكثيرين؟

في حقيقة الأمر يجب على الناس في هذه الأوقات الصعبة أن تكون ممتنة تماماً لوجود الإنترنت التي كانت بمثابة حصان طروادة في الانتصار على الفيروس، وربما يكون أكثر ما يحتاج الناس للوصول إليه في هذه الأيام هو الخبراء في الطب والفيروسات، وبفضل الشبكة ليس من الصعب على الإطلاق الوصول للخبراء في المجال في غالبية أنحاء العالم، جلسة واحدة على الإنترنت لبضع ساعات، وبالتحديد على شبكة تويتر المشهورة بوجود الخبراء، وبإمكانك إعداد قائمة تزيد على عدة مئات من الخبراء من الأطباء والمتخصصين في الأوبئة وأساتذة الجامعات وصانعي السياسات والصحفيين، الوصول للخبراء ومتابعتهم يجعل الأمور أسهل بكثير على الجميع: من المواطن الراغب في معرفة المعلومات الموثوقة، إلى الأطباء والفرق الصحية الراغبة في معرفة تجارب الآخرين في التعامل مع فيروس جديد تماماً، إلى صناع القرار الذين يحتاجون دوماً للبناء على الخبرات الأخرى، وبطبيعة الحال يجب ألا ننسى أن التعامل المباشر مع الخبراء كمصدر للمعلومة من شأنه تقليل انتشار المعلومات المضللة التي تنتشر كالنار في الهشيم.

من خلال قوائم الخبراء، والعديد من أماكن اللقاء مع الأطباء من مختلف دول العالم الذين يعملون على مدار الساعة لمواجهة الفيروس وتحجيم انتشاره. من السهل على الجميع أن يشاهدوا حجم المساعدة وسرعة تبادل المعلومات بين غالبية الخبراء وبعضهم البعض بداية من طلب بعض المعلومات حول أعراض الفيروس، أو حتى تجربة عملية في غرفة طوارئ بالصين أو إيطاليا، أو تبادل المعلومات الأخيرة حول مدة بقاء الفيروس نشطاً على الأسطح المختلفة. تساعد شبكة الإنترنت الفرق الطبية في كل مكان على القيام بمهامها بفعالية، الأمر الذي من شأنه أن يفيد الجميع.


الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً فعالاً في هذا الإطار من خلال تعاون العديد من شركات التقنية لتجميع الجهود وتقليل المسافات، في شهر مارس الماضي، تعاونت الحكومة الأمريكية مع عملاقي التكنولوجيا مايكروسوفت وغوغل لتجميع الأوراق البحثية المتعلقة بفيروس «كوفيد-19» والتي ينجزها الباحثون حول العالم، وتم جمع هذه الأوراق في قاعدة بيانات ضخمة نتيجة تضافر جهود عدد من الجامعات والمراكز البحثية التقنية تحت إشراف البيت الأبيض. حيث تم إطلاقها منتصف شهر مارس وإتاحتها لجميع الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي لاستخدامها في إنشاء نماذج لتعلم الآلة والتي يمكن أن تساعد العلماء في العثور على المعلومات التي يرغبون فيها. وتضمنت مجموعة البيانات الأولية أكثر من 24 ألف ورقة بحثية من منشورات علمية محكمة، ثم تم تحديثها لاحقاً لتصل إلى 47 ألف وثيقة منذ ذلك الحين.


وتلعب الشبكات الاجتماعية المختلفة دوراً كبيراً هي الأخرى في تلك الظروف، من السهل أن تشاهد المواطنين يتواصلون ويتجمعون ويطلقون المبادرات المختلفة التي تسعى لنشر الوعى والضغط على الشركات والمؤثرين للتصرف بمسؤولية في مواجهة تلك الكارثة الكبرى، نرى في بعض الحالات مبادرات مختلفة لتسهيل قضاء الوقت في العزل مع ممارسة الأنشطة المحببة، في مصر على سبيل المثال نظم أحد نشطاء الإنترنت ندوة افتراضية لمناقشة بعض الأفلام السينمائية، بينما نظم عدد من الفنانين حفلات غنائية من داخل منازلهم لتسلية الجمهور وإمتاعه في زمن الحصار، بل واستخدم بعض الفنانين هذه الحفلات «الأونلاين» لجمع التبرعات ودعم الفرق الطبية في أنحاء العالم.

ويمكن، على الإنترنت أيضاً، أن نلاحظ أن تشكيل السياسة العامة للدول، والخطابات السياسية تحدث في العلن ومع الجمهور مباشرة على مرأى ومسمع من الجميع، وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي يستخدم الجمهور وسائل الضغط المتاحة لإبراز القضايا الأكثر أهمية بالنسبة لهم في تلك الأزمة من المطالبة بإجراء الاختبارات «أونلاين» مع توقف المدارس، على سبيل المثال، استخدم طلبة جامعة المدينة في نيويورك GUNY «هاشتاغ» والعريضة الاحتجاجية للسماح لهم بالالتحاق بالمحاضرات عبر الإنترنت وهو الأمر الذي نجح في نهاية المطاف، يستخدم الجمهور الشبكات الاجتماعية أيضاً في تسهيل الحصول على الإجازات المدفوعة، ومساعدة العمال الذين تأثروا اقتصادياً بسبب تلك الأزمة، وبكل تأكيد فإنه دون وجود صوت الجمهور الجماعي الواضح في مختلف أنحاء العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي كانت الكثير من القرارات السياسية ستتأخر في الصدور.

وبطبيعة الحال، فإن الإنترنت، وأدواتها المختلفة هي التي تسمح لنا بالعمل من المنزل، الأمر الذي يحرك الاقتصاد على الرغم من الإغلاق المادي لمعظم الأعمال التجارية والشركات، وفكرة العمل من المنزل هي التي تسمح للأعمال بالإبقاء على الموظفين ودفع رواتبهم، ولنا أن نتخيل شكل قطاعات الأعمال المختلفة في ظروف «كورونا» دون وجود الإنترنت. إنها شبكة الإنترنت أيضاً التي تسمح لنا بالتسوق من أمازون، أو حتى من سوبر ماركت المحلى، في أحلك ظروف عدم الحركة أو نقص التوريدات يمكنك وأنت داخل المنزل أن تشتري ما ترغب فيه مستخدماً قدرات شبكة الإنترنت.

تفعل الإنترنت ما يجب فعله في هذه الأيام: تربط الناس بالمعلومات، والمعلومات بالمعلومات، والناس بالناس، هذه الشبكة تمكن البشر اليوم من الحديث، والاستماع، والتجمع، والتحرك من أي مكان وباستخدام العديد من الأجهزة المتاحة للجميع، هذه العناصر هي ما تحتاج إليها البشرية اليوم.

ومع هذه العناصر التي لا يمكن الاستغناء عنها على الإطلاق، من المهم للغاية أن نوجه انتباهنا إلى كيفية تحسين الشبكة سواء على مستوى الآليات والتقنيات، أو حتى على مستوى أساليب الاستخدام، نحتاج إلى المزيد من الآليات للاستماع إلى الخبراء، ونحتاج إلى وسائل أفضل للوصول إلى المجتمعات المحرومة، أو تلك المجتمعات التي تم تجاهلها لأوقات طويلة من قبل وسائل الإعلام التقليدي، تحتاج البشرية أكثر من أي وقت مضى إلى تطوير نماذج لدعم نشر وتبادل المعلومات الموثوقة، وتعليم وتثقيف الناس في عملية مستمرة ودائمة. وعلى الرغم من المزايا اللانهائية التي توفرها الشبكة إلا أن هناك الكثير والكثير من العمل للقيام به.

هل شبكة الإنترنت في وضعها الحالي مثالية؟ بطبيعة الحال هي ليست كذلك، خاصة أنها ساهمت بشكل كبير في ترويج الأكاذيب، وترويج النزعات القومية والعرقية، ونشر خطاب الكراهية على أوسع نطاق. ورغم ذلك كله يمكن القول إنه لولا وجود شبكة الإنترنت لكانت البشرية ستواجه أزمة لا يمكن تصور مداها مع ظهور فيروس كورونا.