الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أزمة «كورونا».. الاقتصاد التقليدي يتأثر و«الإلكتروني» ينمو ويزدهر

تباينت التأثيرات جراء جائحة كورونا بين إيجابية وسلبية في الاقتصاد المحلي، إذ تمثلت في ارتفاع حجم قضايا التحكيم التجاري، وتراجع في حجم الرخص الجديدة مقابل ارتفاع المجددة والمتخصصة في التجارة الإلكترونية، وانخفاض مبيعات المشاريع الصغيرة والمتوسطة في قطاعات معينة مقابل ارتفاعها في أخرى، وتراجع حجم التصرفات العقارية مقابل نمو الفرص للاستثمار العقاري، وانخفاض مبيعات السيارات، بالإضافة إلى تأثر توافر المواد الخام لبعض الصناعات.

وأكد مسؤولون أن تأثيرات أزمة كورونا لم تكن سلبية 100% في كل القطاعات، إذ حققت قطاعات أساسية عدة نمواً إيجابياً لتدعم الاقتصاد المحلي.

وأشاروا إلى أن الأزمة أثرت في أساليب الاقتصاد التقليدية، بينما كانت إيجابية من ناحية إيجاد أساليب جديدة تتفق مع المتغيرات التي طرأت على الأعمال في قطاعات عدة، لتشهد نمواً متسارعاً يدعم مسيرة التنوع الاقتصادي المحلي في الدولة.


أظهرت بيانات دائرة البلدية في رأس الخيمة، أن شهر فبراير من العام الجاري تصدر في حجم المبيعات العقارية، والتي بلغت قيمتها 88 مليون درهم، لتنخفض إلى 34 مليون درهم، بنسبة تراجع 61% في شهر أبريل، وهي الفترة التي شهدت ذروة الإغلاق الاقتصادي بمعظم القطاعات التجارية


وأظهرت أزمة كورونا تأثيرات عميقة على القطاع السياحي، إذ تراجع حجم النزلاء في قطاعي الفنادق والضيافة، وبلغ عدد النزلاء في فنادق رأس الخيمة 225 ألف نزيل منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية شهر أبريل، أغلبهم في شهر يناير بنحو 83 ألف نزيل قضوا نحو 293 ألف ليلة، ثم 78 ألف نزيل في فبراير أقاموا 274.4 ألف ليلة، ثم 49.5 ألف نزيل في مارس أقاموا 208.4 ألف ليلة، ليتراجع في ذروة انتشار المرض مع إجراءات الإغلاق في شهر أبريل بنحو 72%، ليصل إلى 13.8 ألف نزيل أقاموا 64 ألف ليلة.

رواد الأعمال

أكد أصحاب مشاريع منزلية، أن أعمالهم تراجعت بنسبة تصل إلى نحو 40% خلال فترة انتشار الجائحة، وذلك نتيجة الإغلاق التجاري في إطار الإجراءات الاحترازية للوقاية من عدوى المرض
. في المقابل، اعتبروا أن الجائحة عززت الفرصة لديهم في التحول إلى الأساليب التجارية الحديثة التي تعتمد على المنصات الإلكترونية للترويج للمنتجات المنزلية المختصة في صناعة الأغذية، وابتكار أساليب ونشاطات تجارية جديدة تتناسب مع المتغيرات التي تشكلت نتيجة الأزمة الصحية العالمية.

وأكد نائب المدير العام، مدير إدارة تطوير الأعمال في دائرة التنمية الاقتصادية برأس الخيمة محمد المحمود، أن المشاريع المنزلية لم تتضرر بسبب الأزمة بشكل يضعها في ضائقة استثمارية، أسوة بالمحال التجارية، وذلك لعدة أسباب وهي، كونها قائمة على التمويل الذاتي، ولا تتحمل التزامات دورية مثل أجور العاملين أو العقار التجاري، وغيرها من الرسوم السنوية التي تشكل عبئاً مالياً على الأنشطة التجارية الأخرى، ولديها الإمكانية لابتكار مشاريع جديدة تخدم المجتمع وتتناسب مع المتغيرات العامة.

حركة الرخص الاقتصادية الجديدة

شهدت حركة نمو إصدار الرخص الجديدة تراجعاً خلال ذروة انتشار فيروس كورونا، بينما ارتفعت الرخص المجددة وذلك نتيجة تحولها إلى التجارة الإلكترونية، الأمر الذي منح الاقتصاد المحلي صيغة اقتصادية متطورة وجديدة، تتفق مع رؤية الدولة في التحول نحو الاقتصاد الرقمي
.

وأصدرت دائرة التنمية الاقتصادية في رأس الخيمة 382 رخصة أعمال جديدة منذ بداية العام وحتى نهاية أبريل الماضي، إذ تم إصدار 359 رخصة جديدة في الربع الأول، مقارنة مع 468 رخصة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي 2019، بنسبة انخفاض بلغت 23%.

وقال مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في رأس الخيمة، الدكتور عبدالرحمن الشايب النقبي، إن معدل الرخص الجديدة في رأس الخيمة طبيعي في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة، الناتجة عن تعليق الأنشطة التجارية لأعمالها، والإغلاق الاقتصادي للعديد من القطاعات الحيوية، في إطار الإجراءات الحكومية للتصدي لانتشار فيروس كورونا.

من جهتها، أوضحت نائبة مدير إدارة الشؤون التجارية في دائرة التنمية الاقتصادية في الشارقة، أمل حبش، أن حجم الرخص الجديدة الصادرة عن الدائرة انخفض بنسبة 34% خلال الربع الثاني من العام الجاري، مقابل ارتفاع عدد الرخص المجددة بنسبة 16%، وهي فترة الذروة لانتشار فيروس كورونا.

التحكيم التجاري

وارتفعت نسبة القضايا في مركز الشارقة للتحكيم التجاري الدولي (تحكيم)، بمعدل 64% خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة مع الربع الأول من عام
2019، وذلك بالتزامن مع ظهور أزمة كورونا.

وارتفع حجم المنازعات التجارية في مركز رأس الخيمة للتوفيق والتحكيم بنسبة 470%، بواقع 40 قضية نزاع تجاري منذ يناير حتى شهر مايو من العام الجاري، مقابل 7 قضايا خلال الفترة ذاتها من العام الماضي 2019.

وأوضحت مديرة القضايا في مركز الشارقة للتحكيم التجاري الدولي «تحكيم»، الدكتورة حمدة البلوشي «لوحظ ارتفاع نسبة القضايا خلال الأزمة الصحية العالمية، إذ إنه لا شك أن انتشار الوباء، أصبح مصدراً لقلق للمستثمرين، حيث يواجه الكثير منهم تحديات فيما يتعلق بتنفيذ التزاماتهم العقدية على وجه الخصوص، والذي يتوقع منه حدوث بعض النزاعات الناشئة عن هذا الإخلال في تنفيذ الالتزامات».

بدوره، أوضح الأمين العام لمركز رأس الخيمة للتحكيم التجاري المستشار إبراهيم شوقي جوهر، أن المركز استقبل نحو 24 قضية نزاع تجاري خلال ذروة انتشار فيروس كورونا في شهري أبريل ومايو من العام الجاري، بنسبة نمو بلغت 380%، وهي فترة الذروة لأزمة الإغلاق الاقتصادي الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، مقارنة مع 5 قضايا وردت للمركز خلال الفترة ذاتها من العام الماضي.

سوق السيارات

وشهد السوق المحلي تراجعاً في مبيعات السيارات بنحو 30% مع بداية أزمة كورونا في مارس الماضي وفق بيانات
focus2move المتخصص في قطاع السيارات.

وعلى صعيد سوق السيارات المستعملة، أوضح تجار محليون أن الأسعار انخفضت بنحو 40% خلال فترة انتشار جائحة كورونا، سعياً من السوق لتدارك تراجع المبيعات الذي لامس 70%.

نمو مبيعات مواد البناء

وأكد مستثمرون في تجارة مواد البناء وأعمال الصيانة العامة والصناعات التحويلية في رأس الخيمة، ارتفاع حجم المبيعات لديهم بنسبة تصل إلى 40
%، بالرغم من الإغلاق الاقتصادي وتقييد الحركة نتيجة تفشي فيروس كورونا.

تحديات رواد الأعمال

أبرزت تداعيات فيروس كورونا 4 تحديات أساسية أمام أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة خلال جائحة كورونا، وتمثلت في السيولة المالية، وقيمة الإيجار، وقيمة الرسوم للمشاريع المتضررة، وعدم توافر المواد الخام
.

وقالت مديرة إدارة دعم وتمويل المشاريع في مؤسسة «رواد» فاطمة آل علي، إن المؤسسة رصدت عدة تحديات تمثلت في عدم توافر السيولة اللازمة لتغطية الالتزامات، حيث تركزت طلبات رواد الأعمال على الدعم المالي الطارئ، وضرورة التواصل مع البلدية لتسوية الإيجار مع الجهات العقارية، وإلغاء الرسوم للمشاريع المتضررة جراء تداعيات الجائحة.

من جهته، قال مدير عام غرفة تجارة وصناعة رأس الخيمة محمد السبب «لا ننكر أن عدداً كبيراً من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تضررت مشاريعهم في فترة انتشار فيروس كورونا، ولكن التوجه نحو خدمات التوصيل والتسويق الإلكتروني حد من تلك التداعيات».

الاستثمار الأجنبي

وفي السياق ذاته، لم تكن دبي بمنأى عن تداعيات «كوفيد-19» وخاصة فيما يتعلق بقيمة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي جذبتها الإمارة منذ بداية العام الجاري والتحولات في قطاع التجزئة وإصدار الرخص الجديدة
.

وبحسب مؤسسة دبي لتنمية الاستثمار، فإن دبي كانت في المركز الثاني عالمياً، من حيث تدفقات رؤوس الأموال، والمركز الثالث عالمياً من حيث عدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتشير البيانات الأولية لمرصد دبي للاستثمار، إلى أن عدد مشروعات الاستثمار الجديدة المعلنة في دبي، قد بلغ 155 مشروعاً، وبرؤوس أموال من المتوقع أن تزيد على 10 مليارات درهم، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.

بالمقابل، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دبي سجلت نمواً استثنائياً خلال النصف الأول من 2019، إذ بلغت رؤوس أموال المشروعات الاستثمارية المُعلنَة في تلك الفترة 46.6 مليار درهم، بنمو قدره 135% مقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2018، فيما بلغ عدد مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر بالإمارة 257 مشروعاً.

وبالتالي تظهر البيانات حجم التراجع في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الإمارة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، والذي يعود إلى قرارات الإغلاق الحكومية وتوقف العمليات الإنتاجية في الدول الصناعية والقيود المفروضة على السفر والشحن والنقل. الرخص التجارية في دبي وفيما يتعلق بالرخص الجديدة الصادرة عن دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، فإن شهر أبريل كان مؤشراً على مدى الانخفاض في تسجيل الرخص الجديدة، فبحسب بيانات خارطة الأعمال المنصة الرقمية المعلوماتية التابعة لاقتصادية دبي، بلغ عدد الرخص التي صدرت خلال شهر أبريل الماضي 568 رخصة جديدة فقط بانخفاض قدره 80% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019 والتي بلغ فيها عدد الرخص في أبريل 2938 رخصة جديدة، أما بقية الأشهر منذ مارس وحتى يونيو من العام الجاري، وهي الفترة التي بدأت فيها تداعيات فيروس كورونا بالظهور، فقد نما عدد الرخص بنسب متفاوتة مقارنة بالعام الماضي.

قطاع التجزئة

أكد تقرير لمؤسسة دبي للمستقبل بعنوان «الحياة بعد «كوفيد-19»: مستقبل تجارة التجزئة» أن مواقع تجارة التجزئة والتسوق عبر الإنترنت ومنصات التجارة الإلكترونية شهدت استقطاباً متزايداً من قبل المستهلكين، حيث شكلت لهم خياراً مثالياً في ظروف تفشي وانتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19
»، ما أسهم في تسريع تبني عملية التحول الرقمي لتلبية الطلب المتزايد من مختلف الفئات المجتمعية.

واستعرض التقرير مجموعة من الأمثلة على نمو التجارة الإلكترونية في الإمارات والمنطقة، حيث شهدت مجموعة ماجد الفطيم في دبي، التي تدير 24 مركز تسوق، زيادة قدرها 59% في عدد المتسوقين عبر الإنترنت في مارس 2020 مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي. ويتطلب نقل الأعمال التجارية إلى عالم الإنترنت استثماراً كبيراً من تجار التجزئة التقليديين رغم أن الكثير منهم يواجهون صعوبات في توفير السيولة، لكن تجنيب تجار التجزئة التقليديين هذه النفقات أمر ممكن إن وفرت منصات التجارة الإلكترونية للمتسوقين عبر الإنترنت إمكانية الوصول إلى منتجات أولئك التجار.

قطاع البنوك

وضعت جائحة كورونا وزراً على القطاع المصرفي شأنه شأن باقي القطاعات الاقتصادية، ودفعته إلى اتخاذ تدابير وقائية للحفاظ على مستوى إيرادات جيد، كما أدت إلى إحداث تغير في بيئة العمل المصرفي من ناحية طبيعة التركيز على العملاء واعتماد بعض التشدد والانتقائية بالنسبة لمختلف قطاعات تمويل الأعمال والأفراد
. وفي الوقت ذاته، غيرت الجائحة من طبيعة توجهات العملاء، ما أفرز بعض الآثار الإيجابية والسلبية على القطاع المصرفي وطريقة عمله.

وشملت التأثيرات الإيجابية توجيه اهتمام الأفراد إلى الخدمات الرقمية وتخفيف الضغط على فروع البنوك والخدمات التقليدية، كما دفعت بأصحاب الأعمال إلى التوسع في اعتماد الأساليب الرقمية في تقبل المدفوعات.

وأما التأثيرات السلبية فقد شملت تراجع حجم الاعمال، إضافة إلى تراجع قدرة الكثير من العملاء على خدمة الدين، ما يزيد من ضغط القروض المتعثرة في مختلف القطاعات.

وبحسب بنك المشرق، فقد ارتفعت نسبة استخدام العملاء للقنوات الرقمية خلال جائحة كورونا بأكثر من 50%، الأمر الذي يعتبر إيجابياً، ويخدم توجه البنوك خلال المرحلة الراهنة والمقبلة، ولا سيما أن هذا السلوك سيبقى لدى معظم العملاء.

وأفاد المصرفي أمجد نصر، بأن الجائحة أثرت على العمل المصرفي كغيره وخفضت من حجم الأعمال، ودفعت البنوك إلى اعتماد نهج انتقائي عند تسويق القروض. وتحدث عن أثر الجائحة في تسريع وتيرة تحول العملاء إلى الخدمات الرقمية بدلاً للخدمات التقليدية عبر الفروع مراكز الخدمة.

ومن جهته، أفاد المصرفي مجدي الريحاوي بأن البنوك لا تتخذ خطوة بالإحجام عن تمويل قطاع معين، لكنها تضع استراتيجياتها التمويلية بناء على قدرة العملاء في كل قطاع، ولا شك أن طبيعة السوق وقدرة العملاء بالإجمال تغيرت بعد الجائحة.

ومن جهته، أكد عضو المجلس الاستشاري في معهد تشارترد للأوراق المالية والاستثمار والمحلل المالي وضاح الطه، تأثير الضغوط التي ولدتها جائحة كورونا على العمل المصرفي ككل سواء من ناحية طبيعة الإقراض وتوزعه وحجم النمو، أو من ناحية تغيير بيئة العمل وتوجيه العملاء إلى الخدمات الرقمية ودفع البنوك إلى إغلاق بعض فروعها.