السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

شباب يدخلون قطاعات أعمال بلا جدوى.. والدوائر الاقتصادية مطالبة بفلترة الأفكار

شباب يدخلون قطاعات أعمال بلا جدوى.. والدوائر الاقتصادية مطالبة بفلترة الأفكار

يدخل الكثير من الشباب ورواد الأعمال مجالات عمل لا تناسبهم، إذ يفتقرون الخبرة والدراية التي تتطلبها، إضافة إلى افتقارهم دراسات الجدوى الكافية والمتطلبات السوقية، وفي نفس الوقت لا يكونون من أصحاب الملاءة التي تؤهلهم للصمود والمنافسة في مختلف الظروف.

وفيما يشكو الكثير من الشباب ورواد الأعمال من عجزهم على دخول سوق الأعمال أو حتى خسارتهم بعد الدخول، نتيجة ارتفاع التكاليف التأسيسية والعجز عن منافسة الكثير من الأعمال القائمة والمنتجات الواردة، يشير خبراء اقتصاد، إلى أن السوق المحلي مفتوح لمن لديه الرغبة، لكنهم يؤكدون أن العمل الخاص له متطلبات تتعلق بالخبرة والكفاءة والملاءة المالية ودراسة السوق. مطالبين الدوائر الاقتصادية بأن تؤسس أقساماً خاصة لدراسة الجدوى، والامتناع عن منح الرخص للمشاريع التي لا ترى فيها الكفاءة والجدوى.

ويرى رواد أعمال شباب أن نجاح المشروع يتطلب توافر العديد من المقومات، منها الشغف والخبرة في مجال ما، ودراسة الجدوى بتأنٍ، وعدم الاندفاع والاستعجال قبل سد جميع الثغرات، ورأس المال المناسب للمشروع والذي يمكّن رائد الأعمال من الصمود عند التعرض لبعض الضغوط والتحديات.

ويؤكدون أن دراسة السوق أمر أساسي من أجل تجنب التكرار، أو على الأقل أن يكون المشروع المكرر ذا قيمة مضافة.

الشغف لا يكفي وحده للنجاح

وأفاد مؤسس العلامة التجارية الخاصة بالعطور ذات الطابع الشرقي «باي كلاود فراغرانس»، رائد الأعمال الإماراتي عبدالرحمن المرزوقي، بأن نجاح العمل الخاص يحتاج إلى توليفة مناسبة تربط الشغف بحسن الإدارة.

وأشار إلى أن الشغف يعتبر المفتاح الأولي لدخول قطاع معين، لكنه لا يكفي من أجل تحقيق النجاح، فالقيمة المضافة التي يحتاجها السوق، تقوم على أساس دراسة السوق واختيار الاتجاه الصحيح، لافتاً إلى أن إطلاق المشروع استغرق 3 سنوات.

وتابع: «إن إطلاق مشروع لا ينجح دون المتابعة اليومية والبحث في أدق التفاصيل، لافتاً إلى أنه دخل في قطاع العطور، وهذا مجال ينطوي على الكثير من المنافسة، وبالتالي كان لا بُدَّ من البحث عن منفذ يجد من خلاله مكاناً في السوق من خلال الابتعاد عن التقليدية، وعن ما سبقه إليه الكثير من الناس في القطاع».

وقال «لا بُدَّ على الجهات الرسمية من تقنين الدخول إلى قطاعات معينة منعاً للتكرار، أو من أجل أن يكون المشروع ذا قيمة مضافة حتى وإن كان مكرراً».

دراسة السوق ووضع الاستراتيجيات

ومن جهته، أفاد الشريك المؤسس ومدير مشروع «فومو دبي»، ماجد الشيباني، أن قطاع المطاعم ليس جديداً، ولا شك بأنه ينطوي على أفكار مكررة، وبالتالي كان الدخول إلى هذا القطاع بحاجة إلى الكثير من التأني ودراسة السوق بشكل وافٍ من أجل تحديد الاستراتيجية والمكان.

وأشار إلى أن الفكرة الجيدة لا تكفي وحدها ولا رأس المال يكفي، فلا بُدَّ من توليفة تربط الفكرة برأس المال عبر دراسة جدوى وافية وإدارة ومتابعة دائمة، وإعداد خطط بديلة وتحديد مسار التطور مسبقاً.

وأكد أن على الدوائر الاقتصادية أن تكون أكثر حرصاً على الشباب من خلال تقديم المشورة والنصح، وإبلاغ رواد الأعمال أن الفشل وارد ولا يجب استبعاده.

اقتصار دور الدوائر الاقتصادية على الترخيص

وفي السياق ذاته، أكد رائد الأعمال الإماراتي مؤسس وصاحب مطعم Señor Gonzales المختص بالوجبات المكسيكية والتموين الغذائي، محمد القاسم، أن دور الدوائر الاقتصادية ينطوي على قصور من ناحية توجيه الشباب إلى المشاريع التي يمكن أن تصمد، لافتاً إلى أن دراسة الجدوى يجب أن تكون أساس الحصول على الرخصة.

وتساءل ما الجدوى من افتتاح مطعم عربي في شارع يحتوي على عشرات المطاعم العربية، لافتاً إلى أن ظاهرة التقليد هي أساس فشل الكثير من المشاريع.

وأكد أهمية الخبرة والشغف في القطاع الذي يرغب رائد الأعمال في دخوله، فمجرد توفر رأس المال غير كافٍ، وكذلك فالفكرة لا تكفي للنجاح، ولا بُدَّ من الصبر، فالربح قد لا يتحقق بين ليلة وأخرى وقد يحتاج إلى سنوات.

تحديات وأخطاء

وأفاد مدير مركز المسار للدراسات الاقتصادية، والخبير الاقتصادي نجيب الشامسي، بأن دخول الشباب إلى بيئة تأسيس الأعمال كالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، تنطوي على الكثير من التحديات وحتى الأخطاء، لافتاً إلى أن أغلب المشاريع لا تكون قادرة على المنافسة والصمود لا سيما عند مواجهة أي تحدٍ.

وأشار إلى أن أول خطأ يرتكبه الشاب أو رائد الأعمال هو الدخول في مجال لا يمتلك أي خبرة فيه، فالبعض يكرر أفكار مشاريع شهدت نجاحاً على أمل تحقيق نجاح مماثل، دون دراسة السوق، أو حتى دون دراسة القدرة الشخصية من ناحية الكفاءة أو الملاءة المالية.

شباب مندفع

وتابع الشامسي: «لا يقع كل اللوم على رائد الأعمال أو صاحب المشروع، فالشاب قد يكون مندفعاً، وبالتالي فلا بُدَّ من قيام الجهات الرسمية كالدوائر الاقتصادية، بدور مختلف عما تقوم به حالياً، وذلك بأن تؤسس أقساماً خاصة بدراسة الجدوى والإرشاد، وأن تقوم بدور يصل إلى حد رفض الترخيص في حال لم يكن المشروع مناسباً».

وأوضح أن منح رخصة مقهى على سبيل المثال، لا يجب أن يتم إلا بعد إتمام الدراسة الجغرافية والمالية والخبرة التي يتمتع بها صاحب الفكرة في المجال.

وعن القطاعات الأخرى كالصناعة ومنافسة المنتجات الأجنبية للمنتج المحلي، أشار إلى أن مَن يقدم على خطوة في هذا المجال لا بُدَّ وأن تكون لديه الخبرة والدراية الكافية التي تجنبه خطر الإفلاس نتيجة عجز منتجه عن المنافسة في سوق مفتوح.

ونصح الشباب الراغبين في الدخول إلى قطاع الأعمال من بوابة المشاريع الشخصية الصغيرة، بالاعتماد على رأس المال الشخصي دون اللجوء إلى الاقتراض، وأن يقوم بإجراء دراسات الجدوى اللازمة، واختيار المجال الذي يتناسب مع الخبرة الشخصية، وعدم تكرار أفكار المشاريع القائمة، بل البحث عن أفكار ومجالات مبتكرة.

الحل بالتنظيم

وقال الخبير الاقتصادي محمد المهري: «نلاحظ في السوق المحلي كثرة دخول رواد أعمال في مجالات وأعمال لا تناسبهم، لافتاً إلى أن الثغرة ما بين كفاءة رائد الأعمال وخبرته من جهة وبين القطاع الذي يعمل به من جهة أخرى، هي السبب الرئيسي في فشل المشروع».

وتابع: «قد يكون المجال مناسباً وبحاجة إلى شركات جديدة، ولكن خبرة صاحب العمل لا تلائم القطاع، مؤكداً أن العشوائية لا تخدم السوق، إذ يمكن أن تنجح بعض التجارب لكن مقابل كل نجاح هناك العديد من تجارب الفشل، وبالتالي فالحل بالتنظيم».

وعن الحل، اقترح المهري أن تقوم المؤسسات الحكومية لا سيما المعنية بدعم رواد الأعمال، بتوفير خبراء يقومون بتوجيه الشباب ولا يقتصر دورهم بالإجابة عن الاستفسارات.

كما طالب الدوائر الاقتصادية بعدم منح رخص الأعمال قبل تقييم كفاءة صاحب العمل أو طالب الرخصة سواء من الناحية المهنية أو من الناحية المالية، لافتاً إلى أن الملاءة المالية قد تكون بديلاً نسبياً عن الخبرة في بعض الأحيان، لكنه أشار إلى أن منح رخصة لشاب لا يمتلك خبرة أو رؤية واضحة في مجال معين وليس لديه الملاءة المالية، هو نوع من التوريط.

وعن قضية ارتفاع الأسعار الخاصة بتأسيس الأعمال وأثرها على المشاريع الجديدة، أوضح أن الأسعار لا يجب أن تكون مقياساً، فأسعار كل بلد تتناسب مع طبيعته، مستشهداً ببعض البلدان كسنغافورة واليابان التي تعتبر من أغلى البلدان، لكنها لا تعاني هذه المشكلة.

وفيما يخص الحمائية لدى بعض البلدان وكذلك منافسة المنتج الأجنبي للمنتج المحلي في السوق لدينا، أشار إلى أن المنتج هو ما يفرض نفسه والمنافسة في الجودة والقيمة المضافة عامة.

منافسة الأعمال الكبرى

ومن جهته، أفاد الأمين العام السابق لجمعية رواد الأعمال والخبير، جاسم البستكي، بأن جزءاً من الشباب بالفعل يحاولون تأسيس أعمال في مجالات لا يمتلكون فيها الخبرة اللازمة وضمن بيئة أعمال قد تنطوي على الكثير من المنافسة.

وأشار إلى أن مشاريع الشباب تتعرض في بعض الأحيان إلى ضغوط ومنافسة من المشاريع الكبرى، ففي مجال المطاعم والمقاهي على سبيل المثال، نرى سلاسل عالمية من الصعب الوقوف في وجهها، وبالتالي يتطلب ذلك إما البحث عن تحالفات عبر الاندماجات بين المشاريع الصغرى وإما الاستثمار عن طريق حقوق الامتياز «الفرنشايز».

وأكد أنه على الجهات المختصة مراعاة عدم إصدار تراخيص مشابهة تفوق حاجة السوق، موضحاً أن الكثير من رخص المطاعم والمقاهي تكون في شارع واحد، وهذا يخالف منطق السوق، وهذه المسألة يمكن تطبيقها على مختلف النواحي والقطاعات الاقتصادية.

وطالب البستكي بالموازنة بين ظاهرة الرخص المنزلية والرخص الأخرى، لافتاً إلى أن تقديم التسهيلات للأعمال المنزلية قد يضر بالمشاريع الأخرى، مؤكداً أنه يطالب بالموازنة في المسألة.