الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«العمل عن بُعد» يتطلب منظومة متكاملة.. والمهن الإبداعية بعيدة عنه

«العمل عن بُعد» يتطلب منظومة متكاملة.. والمهن الإبداعية بعيدة عنه

أكد مستثمرون وخبراء أن «العمل عن بُعد» ممكن في مجالات وظيفية دون أخرى في الوقت الحالي، لكن المهن الرافضة له اليوم، ستلتزم في المستقبل، بناءً على مدى التغيير الذي يمكن أن تشهده في آلية إنجاز المهمات الوظيفية، والتي تتطلب منظومة متكاملة لكي تنسجم مع طبيعة العمل عن بُعد، بينما مهن أخرى لا يمكن لها أن تتسق مع طبيعة العمل عن بُعد، والتي تنطوي على الإبداع مثل عمل العلماء والفنانين والإعلاميين والحرفيين.

وأكدت مستشارة تخطيط استراتيجي وموارد بشرية، ومديرة التوطين والتطوير في قطاع صناعة الطائرات، أمل المسافري، أن المهن التي ترفض العمل عن بُعد أو لا تعترف بالعالم الافتراضي، هي التي لا تتقبل التغيير بناءً على روتين الإنتاج سابقاً، إلا أن بعض المهن الميدانية مثل مجالات العمل الإعلامي البحثية لا تحتمل العمل عن بُعد بشكل كامل.

وقالت إنه وفق استطلاع رأي عالمي أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن 46% من العاملين ليست لديهم المهارات اللازمة لمواكبة أعمال المستقبل، إذ سوف تختفي أكثر من ثلث الوظائف، ومن الوظائف التي من الصعب اختفاؤها أو التعامل معها عن بُعد أو حتى تصعب أتمتتها، هي الوظائف التي تنطوي على الإبداع مثل عمل العلماء والفنانين والإعلاميين والحرفيين.

وأشارت إلى أن دمج المهن التي ترفض العمل عن بُعد، تحتاج إلى تثقيف وتوعية العاملين عليها بأهمية العمل عن بُعد من حيث الإنتاجية والأداء الوظيفي، مؤكدة أن رفض بعض المهن العمل عن بُعد يرتبط بشيئين هما، مقاومة الإنسان للتغيير، وطبيعته البشرية الاجتماعية التي يعد التواصل المباشر مع الآخرين فيها عاملاً فطرياً.

وقالت إن عملية التحول إلى العمل عن بُعد هو عبارة عن منظومة متكاملة من القوانين والسياسات والاستراتيجيات والإجراءات ودراسة الموارد اللازمة لدعم هذا التغيير، والمحافظة على الصحة النفسية للموظفين، وقد أثبتت دولة الإمارات تفوقها في ذلك، حيث استوعبت هذه الجائحة في مجموعة من القوانين والسياسات المرنة والمواكبة لمتطلبات العصر.

واعتبرت أن الرافضين للانسياق مع متغيرات منهجية العمل الحديثة في ظل الذكاء الاصطناعي الذي يشهده العالم، والتي سرعت وجودها أزمة جائحة كورونا، سيتخلفون حتماً في المستقبل عن مسيرة التنمية العالمية، وسيخرجون من حلبة المنافسة كلياً، لذا لا بُدَّ على كافة المهن والوظائف النظر للعمل عن بُعد بصفته منهجية متطورة تتناسب مع متطلبات العصر الحديث والمستقبل.

من جهته، يرى مدير مركز المسار للدراسات الاقتصادية نجيب الشامسي، أن منظومة العمل عن بُعد بحاجة إلى تثقيف شامل في مدى جدواها على سوق العمل مستقبلاً، إذ إن معظم المهن التي يمكن لها أن تنسجم مع هذه المنظومة لا تتقبل التغيير المباشر والطارئ في سلوك الوظيفة.

ولفت إلى أن مصير المهن القابلة للتغيير أصبحت واضحة لأصحابها، وستصبح حتمية مستقبلاً، والتخلف عن مواكبتها يمكن أن يضع هذه المهن خارج السرب، وهذا ما يجب على الجهات المعنية وضعه ضمن استراتيجيات التطوير للقطاعات الحكومية والخاصة، وذلك من خلال حوكمة العمل عن بُعد للمهن التي تتقبل هذا التحول.

وقال يجب إصدار قوائم واضحة بناءً على دراسة عميقة حول المهن القابلة للتحول للعمل عن بُعد من التي لا يمكن لها ذلك، بهدف وضع خطة واضحة للراغبين في مواكبة التغيير.

إلى ذلك، قال المدير الشريك لشركة تروث للاستشارات الاقتصادية والإدارية، رضا مسلم، إن تطبيق نموذج العمل عن بُعد يعتبر توجهاً جديداً بدأ ينمو بشكل أكبر بعد أزمة كورونا، ولكن الأمر يختلف من قطاع الخدمات إلى القطاع الإنتاجي والحكومي.

وأوضح أن بعض المهن اليدوية والحرفية، لا تزال تحتاج إلى تواجد أصحاب الحرفة على رأس عملهم، ولن يحدث تغير وتحول في طبيعة تأدية هذه المهن على المدى المنظور، ويمكن للتكنولوجيا أن تلغي العمالة هنا ولكن لن تكون عن بُعد.

وأضاف أن القطاع الصناعي والإنتاجي يحتاج إلى استثمارات كبيرة للتحول من الطرق التقليدية إلى تبني التكنولوجيا عالية المستوى، ولكن هناك الكثير من التخصصات حتى المتعلقة بأقسام تقنية المعلومات تحتاج إلى وجود الموظفين على رأس عملهم والتواصل مع الأقسام الأخرى.



وقال مسلم إن بعض الشركات التكنولوجية التي تقدم خدمات للجمهور مثل تويتر وغوغل وفيسبوك وكريم وأوبر بإمكانها الاعتماد على تطبيقات العمل عن بعد كونها تعتمد على خدمات الواقع الافتراضي، وبالتالي لا تكون هناك حاجة كبيرة لتواجد الموظفين على رأس عملهم وبإمكانهم انجاز أغلبه عن بعد من المنزل، أما القطاع الحكومي فيمكن أن ينطبق الأمر على بعض مراكز الخدمات التي يمكن إنجازها عن بعض أو بعض الوظائف الفرعية المساعدة، ولكن باقي المستويات الإدارية يجب أن يتواجد الموظفون على رأس عملهم.

وذكر مسلم، بالفعل هناك الكثير من الشركات خلال أزمة كورونا تبنت نهج العمل عن بُعد، وفي مختلف القطاعات الاقتصادية، ولكن يجب العودة إلى الموضوع بعد زوال أزمة كورونا، لنتحقق من النسبة التي ستبقي عليها الشركة من موظفيها الذين يعملون عن بُعد أو ستكون هناك عودة لأساليب العمل التقليدية في بعض القطاعات.

من جهتهم، أكد مستثمرون وأصحاب أعمال مختلفة، أنهم مع التوجه للعمل عن بُعد، لمواكبة تطورات العصر، وإمكانية الاستمرار في العمل في حال التعرض لأزمات طارئة، كما حدث خلال جائحة كورونا، إلا أن بعضهم أشار إلى عدم إمكانية العمل عن بُعد في الكثير من المهن والحرف اليدوية، وللعديد من الموظفين مثل العاملين في النقل والسائقين وعمال التحميل والتوزيع، والمحاسبين وتوقيع شيكات الدفعات من قبل المديرين ومديري المخازن.

ورغم ذلك، أكدوا أن مجتمع الأعمال يشهد تغيراً متسارعاً في منهجية الوظائف، وهذا ما سيحتم على معظم الأعمال مواكبة هذا التغيير، وأن المتخلف عن هذا الركب سيخرج من المنافسة في سوق العمل.