الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

التداعيات العالمية لعثرات الاقتصاد الصيني

التداعيات العالمية لعثرات الاقتصاد الصيني

أفشين مولوي.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز أمريكا كقوة اقتصادية عالمية رائدة، بدأ العالم أجمع يتداول قولاً مأثوراً في المناقشات والحوارات السياسية نصّه: (عندما تعطس أمريكا يصاب العالم بنزلة برد). وفيما يبقى هذا القول صحيحاً حتى الآن وإلى حدّ كبير، فإن هناك قوة عالمية أخرى قد ينطبق عليها.. إنها الصين.

لننظر مثلاً للحال الذي آلت إليه شركة «إيفرغراند» Evergrande، وهي شركة صينية للتطوير العقاري، حيث استيقظ العالم ذات يوم من الأسبوع الجاري على خبر يتحدث عن الديون الهائلة المترتبة عليها والتي تبلغ نحو 300 مليار دولار، وعدم قدرتها على الوفاء بها، فأصيبت أسواق الأسهم العالمية «بالبرد» لأن الصين تمثل ثاني أضخم اقتصاد عالمي وهي أيضاً الدولة التجارية الأولى في العالم. وبات من الواضح أن ما يحدث في الصين يمثل أهمية كبرى لبقية الأسواق، وأي مؤشر يوحي بحدوث انهيار كبير للشركات الصينية يمكنه أن يثير القلق في جميع أنحاء العالم.

ولا تزال لأزمة «إيفرغراند» ذيولها ومفاعيلها. فإذا فشلت الشركة في تسوية أوضاعها في نهاية المطاف، وهو الاحتمال الأرجح، فقد يؤدي ذلك إلى سقوط عدد من كبار مطوّري العقارات الآخرين. ولا بدّ أن ينتقل هذا التأثير الكبير إلى البنوك الصينية ويعرّض الشركات العقارية ذات الأوضاع القلقة للخطر. ومن جهة أخرى، سوف تتأثر أسواق السلع العالمية كالهبوط الحاد في أسعار الحديد والصلب وحتى الحديد الخام في جميع أنحاء العالم.

أحد أهم الأسباب التي تجعل الاقتصاد الصيني على مثل هذه الأهمية بالنسبة للعالم، يتعلق بنجاحها الاقتصادي الباهر الذي حققته على مدى العقود الأربعة الماضية. وابتداء من مطلع عقد الثمانينات، بدأت في فتح اقتصادها أمام الإصلاحات التي يتطلبها السوق. والشيء الذي حدث خلال العقود القليلة التالية يتعلق بقدرتها الخارقة على تحقيق التوسع والانتشار «الجيو- اقتصادي» الأضخم في التاريخ الحديث. وتحولت الصين من دولة هي الأفقر في العالم إلى ثاني أضخم اقتصاد عالمي مع طبقة متوسطة متنامية ومزدهرة.

وإذا كان البعض لا يزال يرى الصين من منظور تقليدي باعتبارها مركز التصنيع الرئيسي في العالم، إلا أن الحقيقة هي أنها أصبحت الآن المحرّك الرئيسي على الطلب. وأصبح المشترون الصينيون يتهافتون على السلع الفاخرة والعادية، من أجهزة «آيفون» إلى الأزياء الراقية، وهم المحرك الأساسي للأسواق العالمية. ونتيجة لذلك، يمكن القول إن أي تباطؤ يطرأ على الاقتصاد الصيني يمكنه أن يدفع العالم للشعور بالقشعريرة.

والسؤال الذي يجدر طرحه الآن: هل الاقتصاد الصيني يتباطأ؟ والجواب هو نعم بكل تأكيد. وقبل كل شيء يكون من الضروري الإشارة إلى أن النمو المرتفع الذي بلغ 10% خلال 3 عقود متوالية من الطفرة الاقتصادية الصينية، أثبت أنه ليس مستداماً. فهل يمكن أن نشهد تباطؤاً حاداً في الاقتصاد الصيني؟

وأشارت صحيفة وول ستريت جورنال في مقال نشرته مؤخراً إلى أن «اللوائح التنظيمية الصينية المتعلقة بمطوّري العقارات وشركات التكنولوجيا والمؤسسات الخاصة بدأت بالتأثير السلبي على النشاط التجاري وكانت سبباً في خلق مخاطر مالية إضافية في البلاد. وهذا يوحي بأن الإجراءات التي تعتمدها بكين يمكن أن تضرّ الاقتصاد الأوسع مدى».

ويرى بعض الاقتصاديين أن من المرجح أن تواجه الصين مشاكل غير معقدة للحفاظ على معدل نمو اقتصادي معقول وصحّي يبلغ 8% خلال العام الجاري 2021. وأن العديد من إجراءاتها التنظيمية التي تستهدف الشركات تهدف لحل مشكلتين أساسيتين هما: التخفيف من أعباء الديون الثقيلة، ومعالجة السلوك الاحتكاري للشركات التكنولوجية.

وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه الإجراءات ضرورية، فإن الصين يبدو أنها بدأت تتعلم درساً سبقتها إليه أمريكا قبل فترة طويلة، فعندما تتخذ القوى الاقتصادية العظمى إجراءات إصلاحية جريئة فإن العالم كله يراقب الأحداث ويتفاعل معها أملاً بألا تؤدي قوة اندفاع الرياح لإسقاط الجميع.

ومن الظواهر البارزة والمميزة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ظهور الصين باعتبارها شريكاً تجارياً ومستثمراً رئيسياً. وفي كل المنطقة، تعتبر الصين لاعباً «جيو-اقتصادياً» مهماً. ونتيجة لذلك، فإن من المؤكد أن أي تباطؤ حاد في الاقتصاد الصيني سيكون له تأثيره القوي على المنطقة كلها.

والسيناريو الأكثر احتمالاً الآن هو حدوث تباطؤ أقل حدّة في الاقتصاد الصيني وخاصة لأن الحجم المتضخم للاقتصاد من الطبيعي أن يقيّد معدلات النمو، إلا أن الصين المحتفظة بنموها أصبحت ذات أهمية كبيرة لمستقبل العالم الجماعي.

(* أفشين مولوي، كاتب وخبير دولي في المخاطر الجيوسياسية العالمية وجغرافيا الاقتصاد والمراسل السابق لوكالة رويترز وواشنطن بوست.)