الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024
الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024

اتفقنا على حب فرنسا

اتفقنا على حب فرنسا

سارة مطر

كانت امرأة ليلية، كل شيء تقوم به أثناء الليل، حتى سقيا النباتات في صالونها المربع، وإطعام السمكات الصغيرة في الحوض الزجاجي، ومشاهدة المسلسلات القديمة عبر يوتيوب، كل حياتها التي تظنها حقيقية لا يمكن أن تعيشها إلا ليلاً.

الأطفال يخافون غروب الشمس، وحينما تختفي الشمس يشهق أطفال أشقائي، ويشيرون إلى القمر، ويقولون الآن علينا أن نكون في غاية الأدب، وألا نأكل الحلوى، وعلى الرغم من علاقتي المتوترة بها، فأنا ما زلت أصادقها، أختلف تماماً عنها وأجد صعوبة في العيش في حياة تشبه حياتها، تريدني أن أكون دوماً بقربها، وأن أسمع قصصها الطويلة، وارقص على الأغنيات التي تختارها بشكل عشوائي يثير معدتي.

تقع شقتها على جدول نهري صناعي في المجمع السكني، ولديها بلكونتان، تضع فيهما العديد من النباتات، لكنها لا تتوقف عن التدخين، لذا عليك قبل أن تدخل إلى شقتها أن تتنفس طويلاً، أن تأخذ هواء نقياً من الخارج وتضعه في كيس بلاستيك، وتأخذ الكيس معك كأنك تحتاط لرائحة السجائر التي لن تنطفئ من بين أصابعها، وعلى الرغم من ذلك فهي لا تحب أن تعترف بأنها امرأة مختلفة، وبأنها مزعجة ولحوحة، وأن لا ذنب للأسماك أن تستمع كل ليلة إلى ضجيج لا ينتهي من الصراخ تسميه غناء.


ليلة البارحة حملت كتابي وكنزتي وذهبت لزيارتها، ووجدتها حزينة جداً، أخبرتني بأنها لم تنقطع منذ أسابيع عن متابعة القنوات التي تبث ما يحدث من خراب وتدمير في باريس، كانت هناك قناة يوتيوبية تبث خلال الـ 24 ساعة كل التفاصيل اليومية من شارع الشانزليزيه الذي امتلأ بالأخشاب والنيران والصراخ، وقامت بترجمة ما جيء في نشرة الأخبار الفرنسية، فقد درست اللغة أثناء إجازاتها المتكررة، وأوضحت لي أن الرجل الذي يرتدي الكنزة الغامقة ويقف أمام المصورين، هو المدعي العام في باريس ويدعى ريمي هيتس، وقال إن هناك ما يقرب من 900 شخص و100 قاصر، وضعوا قيد الحبس الاحتياطي بتهمة تكوين جماعة بهدف ارتكاب أعمال عنف إثر تظاهرات السترات الصفراء.


وطالعتني وقالت بقلق إن هيتس يؤكد أن الموقوفين هم في الغالب رجال دون الأربعين من العمر، ودون سوابق جنائية، وجاؤوا من أنحاء متفرقة من فرنسا، وأن عدداً منهم جاؤوا خصيصاً بهدف النهب والسلب، وأن بعضهم ينتمون إلى اليمين أو اليسار المتطرف.

شاركتها الحزن لأول مرة، لقد وجدت شيئاً مشتركاً بيننا، هو خوفنا على جمال وحرية فرنسا.

[email protected]