السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الأمن الاقتصادي الإماراتي واستشراف المستقبل

إن السير قدماً نحو اقتصاد معرفي متنوع مرن تقوده كفاءات إماراتية ماهرة وتعززه أفضل الخبرات، يضمن الازدهار بعيد المدى لدولة الإمارات، ويوظف جميع الطاقات الكامنة لرأس المال البشري المواطن، ويحافظ على اقتصاد مستقر ومتنوع يكفل الازدهار والرخاء للأجيال القادمة.

وتشكل الابتكارات والأبحاث والعلوم والتكنولوجيا الركائز الأساسية لاقتصاد وطني معرفي تنافسي عالي الإنتاجية، يدفع عجلته رواد الأعمال، في بيئة محفزة، تشجع الشراكات الفاعلة بين القطاعين الحكومي والخاص وتحدد رؤية مشتركة للمستقبل.

ويعتبر الابتكار المحرك الرئيس في الاستراتيجيات التنموية في الدول التي تسعى إلى بناء اقتصاد معرفي مرن عالي التنافسية قادر على الاستدامة، وهو ما أدركته كثير من دول العالم، إذ إن التطور الطبيعي على مستوى العلوم التطبيقية والمعارف الإنسانية أظهر الاهتمام بعلم المستقبل والدراسات المستقبلية الاستشرافية، وهي الدراسات التي تساعد في توفير قاعدة معلومات مستقبلية تعرف بـ «الاستخبارات الاقتصادية»، والبدائل الممكنة التي تسبق اتخاذ القرارات بشأن الخطط والسياسات.

فالتحولات التي تطرأ على الدولة، سواء تحولات داخلية أو خارجية، تجعل الحاجة ملحّة لتوفير معرفة علمية يمكن الاعتماد عليها لمعرفة المستقبل، وإن كانت هذه المعرفة ضرورية لتحديد طبيعة التغير ولوضع طرق وسبل التأثير في هذا التغيير.

ويبنى الاستشراف على متغيرات وعوامل كانت بمثابة المعالم الرئيسة للماضي والحاضر، ولكن ذلك لا ينفي إطلاقاً ضرورة التكهن بالمتغيرات والعوامل غير المرئية، والتي قد تبرز في أي محطة من محطات الزمن المقبل لتؤثر في المشاهد وصور المستقبل، ومن هنا يبدو الاستشراف عبارة عن عملية متواصلة عبر الزمن، ليس القصد منها تحديد تفاصيل المستقبل والتنبؤ به بقدر ما تهدف إلى اكتشاف البدائل المختلفة وترشيد المفاضلة بينها.

وبمعنى آخر العلم الذي يقوم بمهمة ووظيفة التنبيه والتحذير، والحيلولة دون وقوع المشاكل، والمخاطر التي قد تواجه اﻟﻤﺠتمع مستقبلاً، وذلك على جميع المستويات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية والتعليمية، والصحية، ثم توفير الوسائل والقدرات التي يمكن أن تحدث تغييراً في هذه البدائل، ما يؤدي إلى ترشيد عملية التخطيط ويخدم المصلحة الوطنية.

إن استراتيجية الإمارات للمستقبل تستهدف الاستشراف المبكر للفرص والتحديات في القطاعات الحيوية في الدولة، وتحليلها ووضع الخطط الاستباقية بعيدة المدى لها على المستويات كافة، لتحقيق إنجازات نوعية لخدمة مصالح الدولة.

وتشمل الاستراتيجية بناء نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية ومواءمة السياسات الحكومية الحالية، إضافة لبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل، وعقد شراكات دولية وتطوير مراكز تخصصية، وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة.

وتهدف الاستراتيجية لوضع أنظمة حكومية تجعل استشراف المستقبل جزءاً من عملية التخطيط الاستراتيجي في الجهات الحكومية، وإطلاق دراسات وسيناريوهات لاستشراف مستقبل جميع القطاعات الحيوية، ووضع الخطط والسياسات بناء على ذلك.

وتركز استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل على مواضيع تشمل: مستقبل رأس المال البشري والشباب، والتكنولوجيا والأنظمة الذكية، والبنية التحتية والمواصلات، والصحة والتعليم، وبيئة الحياة الإيجابية والسعيدة، والطاقة والأمن الاقتصادي والتجاري والموارد المالية، والحكومة والخدمات الحكومية والعلاقات الدولية والسياسية، والأمن المائي والغذائي والإلكتروني.

فالاستعداد لمرحلة ما بعد النفط يعد أولوية استراتيجية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة، في إطار السعي الحثيث نحو بناء نموذج تنموي مستدام لا يكون مرتبطاً بالنفط وتقلباته الحادة في أسواق الطاقة العالمية.

وفي هذا الصدد نسلط الضوء
على التحديات المعاصرة التي لم تعد بأبعادها المختلفة محصورة في نطاق الحدود الإقليمية لدولة الإمارات، بل تجاوزتها لتشمل دول الجوار الجغرافي المباشر، لتمتد إلى المستويين الإقليمي والدولي.

كما أن دولة الإمارات لها فلسفتها في مفهوم الأمن الوطني الشامل، والتي تتجلى مرتكزاتها في تجسيد روح التلاحم بين القيادة الرشيدة وشعب دولة الإمارات، من خلال ركائز الأمن الوطني التي تتجلى في إعلاء شأن الكوادر البشرية المواطنة وتنميتها في شتى المجالات، لتقود مسيرة هذا الاتحاد وتحصنه في وجه التحديات والتهديدات، وتحقيق الإنتاج المعرفي، والتنوع الاقتصادي، وبناء القدرات العسكرية، والتفوق النوعي، والعلاقات الدولية القائمة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، وعلى مبدأ الوسطية والسلام والتسامح بين الشعوب والثقافات والحضارات.