الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

رمادية الحياد

رمادية الحياد

أمل بنت فهد

تبدو منطقة الحياد، والموقف المحايد، أمراً نبيلاً وراقياً، لأن المحايد كما يبدو ليس مع أحد الأطراف، بل هو مع الجميع، ويطمح للم الشمل كما يروج لنفسه، لكن الحياد مساحة ظليلة فقط، وليست راقية على كل حال، بل إنها في بعض المواضع أقرب للجبن من الشجاعة، وأشبه بالخيانة من النزاهة.

إذ لا يمكن للمحايد أن يبرر موقفه أمام حدث يظهر جلياً دور الظالم فيه، والمفسد، والمعتدي، الحياد هنا موقف ضبابي يحمل بين طياته الريبة والشك، وموقف العدو أفضل منه وأكثر نزاهة، لأنه يتسم بالوضوح، وإن كان عدائياً، وشريراً، لكن المحايد حين لا يتخذ موقفاً، ويصر على رمادية الفعل، لا مع ولا ضد، فإنه بموقفه هذا، يعتبر أخطر من عدو كشف عن نياته، ومنح الآخر فرصة الرد، أياً كان رده.

المحايد غالباً يحمي مصالحه من الخسارة، لكن الحياد ليس خياراً دائماً، فأحياناً هو مضطر للاختيار بين خسارتين، أيهما أقل ثمناً، لأنه وإن بدا نبيلاً، فإن مصلحته حاضرة، ولا أحد يلومه، لكن حين تتصاعد المواقف، ويظهر جلياً أن أحد الأطراف بالغ في طغيانه، فإن التضحية به موقف بطولي.


على المحايد الذكي ألا يتأخر في تسجيل الموقف، لأنه بعد أن تهدأ الأجواء، وتتضح نتيجة الحرب، فإن موقفه سيكون «سامج» جداً، كمن ينتظر مع المشاهدين، وقبل النهاية بدقيقة يحدد رهانه! لأنه مع الفائز فقط، وهذا موقف جبان جداً، ومفضوح، ولن ينفعه وقت يكون في موقف يحتاج فيه للشركاء، والحلفاء.


لذا عزيزي المحايد، وعزيزتي المحايدة، اختيار توقيت لتسجيل الموقف لا يخدم مصالحك، ويشوه صورتك، ويدمر مصداقيتك، عليك حين تكون متأكداً مع من تريد أن تكون، أن تعلنها سريعاً، وبوضوح تام، لا يخالطه شك، لأن الظالم بحاجة إلى عدلك أحياناً، وأحياناً يحتاج لصفعة منك ليفيق، أو يخسرك تماماً.

فالحياد يعتبر مشاركة في الظلم إذا بلغ مداه، وانكشف ستره، وبات القاصي والداني يعرف عنه، والأهم أنك أنت تعرف خبايا وقذارة ما حدث.

العدل والإنصاف مواقف ليس للجميع أن يفي بها، لأنها صعبة، وقاسية، لكن نتائجها مضمونة.

[email protected]رمادية الحياد