الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ذئاب الإرهاب «المنفردة»

لا تزال ذئاب الإرهاب «المنفردة» ناشطة، حيث ظهرت سلسلة من الهجمات الإرهابية في عدد من المدن العربية والأوروبية، والتعاطي العسكري والأمني لن يجعله يتبخر ويتلاشى، وهو ما يعزز الحاجة إلى تأطير فكري يقاوم انتشار أفكاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة.

من يكتوِ بنار التطرف والإرهاب، يعرف تمامًا أن من تطاول على الثوابت والأخلاق والقيم الكبرى وعمل على هدمها هم قنابل موقوتة لأوطانهم، وهذا الفكر منقطع الصلة عن ملاحقة تجربة الإنسان المعاصر نحو البناء والتنمية والتطور، ومنافٍ لنموذج العيش من أجل الحياة الحديثة والكريمة المتوافقة مع عصرهم الحاضر. وأسهموا في نشر الظلم والقتل والصراع الطائفي، ولا بد من التعاون من أجل اجتثاث هذا الفكر وترسيخ كل القيم التي تبني جداراً ثقافياً قوياً في مواجهة ما تريد قوى التطرف والإرهاب نشره من أفكار مدمرة.

نحن بحاجة إلى خطاب توعوي مضاد يفضح خطاب التطرف، فاستعادة حقيقة الدين الحنيف وإرجاعه إلى أصوله الرحبة وبساطته التي تيسر، ومعرفة ماهية التشدد والتطرف في رؤية هؤلاء المغالطين المغالين، وهي دعوة لمراجعة شريحة من المفاهيم المستقرة في فكر المتشددين، ولهذا من الضرورة الكشف عن عوراته وتعرية تفاصيله، من أجل القدرة على مواجهتها.


وتتداعى تفاصيل كثيرة في هذا السياق، منها جمود عقول هؤلاء المتشددين عند ظواهر النصوص، ما يؤكد بأن هناك خللاً في المفاهيم الفقهية والأخلاقية، فالقضية بالنسبة لهم انتقائية، ولهذا بدون الاعتدال والتوسط في التعاطي مع تديننا لا يمكن أن يستقيم السلوك، أو تُحفظ الدماء والأموال، أوتُصان الأعراض، ولا يتحقق الأمن بكل جوانبه.


ويعتبر هؤلاء الغلاة أنفسهم أهل الخير وخواصه في هذه الأمة «الفرقة الناجية» وهم العدول الخيار بين الأمة، وتم تأسيس منابر دعوية إعلامية براقة، لتنوب في نشر الفتاوى الضالة، واستصدار الأحكام الإرهابية، وتم تطبيق هذا النهج وترويجه من خلال تنظيم «طالبان»، «القاعدة» و«داعش» حينما كان في مرحلة وهجه الذي خبا، وبريقه الذي انطفأ!

هناك القليل من الذين ينظرون إلى التطرف ويحاكمونه محاكمة عقلية متوازنة، وهو دون شك مرادف للغلو الذي نقده الإسلام ونفر منه وجعله منافيا للشرع القويم، فالتطرف المناخ الطبيعي للإرهاب، فهو مادة صانعة للعنف والموت، فقد استغلته جهات خارجية ومنظمات تكفيرية جهادية على حساب التعددية والوسطية والاعتدال.. فضلاً عن أن مظاهر الاعتدال ليست شريعة وعقيدة وأحكاماً وعبادات فقط، بل أيضًا معاملات وأخلاق وطريقة ومنهج حياة.

[email protected]