الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

علي معزة وإبراهيم

بعد أن انتهيت من مشاهدة الفيلم المصري «علي معزة وإبراهيم»، شعرت بأنني ركبت أتوبيساً ليلياً، ومررت على كل التجارب التي تكلم عنها الفيلم، الذي يبدو أنه يأتي من خارج الزمان، تنبت بداخلك مشاعر لا حد لها سوى أنك استطعت أن تتجول داخل كل البيوت، وداخل كل خصوصياتهم، لتتعمق أكثر تجاه كل هذه التفاصيل الغريبة والحميمة، حيث يعيش علي في إحدى حارات القاهرة الفقيرة، ويحب معزاة تدعى ندى، وهو يعتقد أن روح خطيبته قد تجسدت فيها، فيما تحاول نوسة والدته التفريق بينه وبين المعزاة، وعلى الجانب الآخر توقفت أمام إبراهيم الذي يعيش مع جده عازف العود الأصم، ويعاني إبراهيم من سماعه أصواتاً داخل عقله، وقد عانت من هذه الحالة والدته وجده الذي يحب حفيده محبة عميقة ودافئة، ويتلاقى مسار علي وإبراهيم وهما يحاولان إيجاد الحل لدى أحد الدجالين، وهكذا تتوطد علاقتهما وينطلقان سوياً إلى الإسكندرية وبعدها إلى سيناء لعلاج مشكلتيهما، الفيلم مليء بالسحر والحب ويقدم معاناة أسطورية، وقد توقفت أمام إبراهيم الذي كان يتحدث مع جده الأصم بالإشارة، وأعدت المشاهد لأكثر من مرة، وحاولت أن أفهم كيف يمكن لإبراهيم أن يتحدث مع جده.
بقيت حكاية الفيلم في رأسي لم تغادره التفاصيل الدقيقة، اللحظات التي لا يعادلها شيء، عندما ترتبك أمامك الحياة، الأصوات الغامضة، العلاقة بين الإنسان والحيوان كما هي علاقة علي مع المعزاة التي تصور أنها خطيبته التي توفيت، والأكثر من ذلك هو إبراهيم الذي تابعت علاقته السريالية مع جده، لأكتشف أن العالم الذي نعيش به مصنوع من حيوات كثيرة مختلفة، وأن هناك جوهر عميق للإنسانية التائهة، وأثناء توقفي أمام أحد أشهر المطاعم للوجبات السريعة في القاهرة برفقة إحدى الزميلات، وما إن بدأنا نتحدث مع الفتاة التي تتلقى الطلبات، حتى أشارت إلينا سريعاً نحو الملصق الذي كان موضوعاً على الجدار، وقد كتب عليه «هذا المطعم يدار بواسطة الصم والبكم، برجاء الإشارة إلى الطلبات»، نظرت إليّ زميلتي سميرة بدهشة، وسريعاً ما تذكرت إبراهيم وهو يتحدث بلغة الإشارة إلى جده، كنت قد حفظت عدداً من الإشارات، وكيف يتوجب عليّ أن أفتح فمي بطريقة واضحة حتى يتسنى للأصم فهم ما أقول، بدت الفتاة سعيدة لأنني استطعت التخاطب معها، وأشارت إلى زميلتي ضاحكة بأن عليها أن تتعلم مني لغة الإشارة، وكنت أود حينها أن أقول بصوت جلي وصريح، أنا سعيدة جداً لأن السينما ليست فقط للترفيه، وإنما تقدم لنا تعاليم أخرى تجاه الحياة التي نعيشها، دروساً وعبراً وانجذاباً لمعرفة الجزء المبهم من هذا العالم.
[email protected]