كلما هزَّ الموت يقين الحياة فينا، تساءلنا: هل نموت حينما نموت؟.. هل ننتهي ونعود إلى السماوات العليا لنستقر إلى الأبد، في نجمتنا السرية التي ظلت زمناً طويلاً تنتظر عودتنا؟ وهل نموت حينما تسندنا الأيادي في عمق قبر لا شيء فيه يثير إلا برودته وضيقه على أجسادنا الهشة؟ نأتي ثم نعود فقط لنقول لسلطان الأكوان إننا عبرنا من هناك؟ إذن ما جدوى العبور؟في الدنيا متسع لكل شيء حتى للألم الذي ينتابنا ويسرق منا الفرح القليل، نأتي وننزل كما لو أن الدنيا تبدأ منّا، ننام في يقين من يملك ما لا يملك، عندما تكتمل دورة الشهر التاسع نتهاوى كتفاحة سقطت من أعلى الشجرة بلا صوت الارتطام، ننزل فجأة من رحم موجوع، جرحناه كثيراً ونحن نلعب في مائه بعيداً عن المخاطر التي لا نسمع إلا دويّها البعيد.. نفتح أعيننا بصعوبة على نور قوي يخترق الأغشية النائمة، عيوننا المرتعشة، مخلفاً صفاء غريباً: أهذه هي الحياة التي يتحدثون عنها؟ ثم نصرخ فجأة الصرخة الغامضة التي تحرر الصدر من شيء مظلم، ظل مكتوماً، ثم نبدأ دورة الحياة وكأننا وحدنا من نملك الكون، تنام في أكُفّنا أرقامه السرية وإشاراته ووسائط تسييره، ونظن أن كل ما يحيط بنا خُلق لنا وحدنا دون غيرنا، لكن نكتشف فجأة أن كل ما ملكناه يُسحب بصمت من بين أيدينا، ويصبح يقيننا وهماً.الحياة ليست أماناً مطلقاً، نكتشف الدموع في غفلة منا، فنتعلم كيف نبكي المرارات الثقيلة والفقدان، نخسر بلا سبب من نحب، ثم نفقد من منحونا النفَس الأول في الحياة.. وتتضاءل فكرة أن من نحبهم يستعصون على الفجيعة!لم تكن الحياة ممكنة دون النفس الأول، وخارج صرخة الولادة، ولم تعد ممكنة بعد أن يُسرق النفس الأول لينام الجسد داخل تربة الأبدية، ونتساءل في عزّ الخيبة: ما الحياة؟.. هل يُعْقل أن تكون مجرد لحظة عبور يتحكم فيها ناموس لا سلطان لنا على إرادته؟.. نكتشف ونحن ننسحب بصمت من حيث جئنا، أننا بعد هزات القبر الأولى، وظلمة التربة الطرية، نصبح فجأة غباراً تبعثره رياح الأكوان السرية أنّى تشاء، حتى الأمكنة المتخفية، في ظل شجرة تنبت رطوبتها فطراَ هشّاً، أو نركب جناحي فراشة تنساها داخل زهرة امتصت رحيقها، أو داخل الفجوات البركانية حيث رماد ساخن يبرد علينا ويجعل منا ورده الصخري أو ياقوته الثمين، أليس الرماد أصل الماس؟ ثم يصعد طلع غبارنا الخفيف مثل رذاذ فجري، نحو السماوات العليا، فيكبر ويتسع في شكل نجمة ترصع سماء واسعة قبل أن ترسم خيطاً من رماد وتضمحل في سرّ الأكوان، مشكّلة نوراً وكائنات تعطي للحياة مبرر وجودها واستمرارها.ما قيمة الحياة بلا لمسة تهزها؟ بلا يدٍ حانية؟ بلا شدو يأتي من بعيد، وبلا ابتسامة شجية؟ الحب يطيل في الأعمار، هنا وهناك، لا يمكن للموت أن يسرقه، في النهاية نحن لا نموت إلا قليلاً.
فرصة يابانية للشرق الأوسط

أستاذ في جامعة طوكيو، مفكر وأستاذ قسم الأديان والأمن العالمي في مركز أبحاث العلوم والتكنولوجيا المتقدمة (RCAST) ـ جامعة طوكيو.
يشمل تخصصه السياسات الإسلامية والسياسة الإقليمية في الشرق الأوسط والعلاقات الدولية بين آسيا والشرق الأوسط.
تعيش منطقة الشرق الأوسط مرحلة تحول هائل، والملمح الأبرز في هذا التحول هو توجه المنطقة ــ نتيجة تأثير المحور العابر للأطلسي ــ نحو عالم من الازدهار تشهده منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ولفترة طويلة، شكّل الشرق الأوسط جزءاً من عالم دول عبر الأطلسي في العصر الحديث، ووفقاً لما توضحه اتفاقية سايكس بيكو سيئة السمعة، وبعد الحرب العالمية الثانية، انضمت الولايات المتحدة إلى عملية التأثير في الشرق الأوسط ضمن الدول «العابرة للأطلسي».
وبالمقابل، تكون آسيا ضمن نطاق اهتمام الأشخاص المعنيين بشؤون دول الشرق الأوسط وأولئك الذين يتحكمون بسياسته في واشنطن، أما بالنسبة للأمريكيين الذين يركزون على الشرق الأوسط، فإن شرق آسيا، ولا سيما منطقة الشرق الأقصى، تبدو موضوعاً هامشياً خارج نطاق اهتمام السياسات العالمية السائدة في إطار محور الهيمنة العابر للأطلسي، لكن هذا الوضع على وشك أن يتغير.
أخيراً، بدأت دول الشرق الأوسط بالنظر نحو الشرق، وبالطبع فإن الثروات والفرص التي وفرتها التنمية الاقتصادية الهائلة في الصين هي السبب الرئيس لهذا التغيير، ومع ذلك، لا يزال ثمة شعور متزايد بالقلق من الاعتماد المفرط على بكين، كما أن الوقوع في فخ الصدع العميق بين أمريكا والصين هو خطر آخر، فالصين تمثل فرصة كبيرة ومخاطرة كبيرة في الوقت نفسه، كما أن تحوّل مركز الثقل في الاقتصاد السياسي العالمي نحو الشرق و«نهوض آسيا» هو واقع مثبت يدركه الجميع الآن، والحد من خطر الاعتماد على الصين والتورط في المبارزة القائمة ما بين الولايات المتحدة والصين مسألة جديدة أخرى.
اليوم، تحاول اليابان اليوم تلبية التوقعات المتزايدة لدول الشرق الأوسط، باعتبارها الدولة الأكثر ثراءً واستقراراً، وأن مصلحة الشرق الأوسط فيها تزداد باطراد ـ كما أرى ـ حيث أطلق رئيس الوزراء الياباني آبي في أغسطس 2016، رؤية بعنوان «منطقة المحيط الهادئ - الهندي الحرة المفتوحة»، وهي رؤية تسعى لإنشاء مساحة اقتصادية حرة ومفتوحة في المحيط الواسع، تربط منطقة آسيا والمحيط الهادئ والبلدان المطلة على المحيط الهندي.
وأصبحت عبارة «منطقة المحيط الهادئ - الهندي الحرة المفتوحة» مجرد عبارة طنانة، في حين استحوذت أستراليا على هذه الفكرة، وانضمت إليها الولايات المتحدة، لكن رؤية الولايات المتحدة لاستراتيجية «منطقة المحيط الهادئ - الهندي» لا تشمل الشرق الأوسط.
كما أن أفغانستان وباكستان ليستا جزءاً منها، وتقوم الاستراتيجية الأمريكية العالمية على تقسيم الهيكلية القيادية بحيث تكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط كيانين منفصلين تماماً، وعلى النقيض، أعلن رئيس الوزراء أن الرؤية اليابانية لمنطقة المحيط الهادئ والهندي لا تشمل جاكرتا أو نيودلهي بل نيروبي، وكينيا .. إنها رؤية عالمية والشرق الأوسط جزء منها، كما يعتبر البحر الأحمر - امتداد المحيط الهندي - من أكثر المناطق الواعدة في هذه الرؤية.
وبالمقابل، تكون آسيا ضمن نطاق اهتمام الأشخاص المعنيين بشؤون دول الشرق الأوسط وأولئك الذين يتحكمون بسياسته في واشنطن، أما بالنسبة للأمريكيين الذين يركزون على الشرق الأوسط، فإن شرق آسيا، ولا سيما منطقة الشرق الأقصى، تبدو موضوعاً هامشياً خارج نطاق اهتمام السياسات العالمية السائدة في إطار محور الهيمنة العابر للأطلسي، لكن هذا الوضع على وشك أن يتغير.
أخيراً، بدأت دول الشرق الأوسط بالنظر نحو الشرق، وبالطبع فإن الثروات والفرص التي وفرتها التنمية الاقتصادية الهائلة في الصين هي السبب الرئيس لهذا التغيير، ومع ذلك، لا يزال ثمة شعور متزايد بالقلق من الاعتماد المفرط على بكين، كما أن الوقوع في فخ الصدع العميق بين أمريكا والصين هو خطر آخر، فالصين تمثل فرصة كبيرة ومخاطرة كبيرة في الوقت نفسه، كما أن تحوّل مركز الثقل في الاقتصاد السياسي العالمي نحو الشرق و«نهوض آسيا» هو واقع مثبت يدركه الجميع الآن، والحد من خطر الاعتماد على الصين والتورط في المبارزة القائمة ما بين الولايات المتحدة والصين مسألة جديدة أخرى.
فاطمة المزروعي
منذ ساعة
اليوم، تحاول اليابان اليوم تلبية التوقعات المتزايدة لدول الشرق الأوسط، باعتبارها الدولة الأكثر ثراءً واستقراراً، وأن مصلحة الشرق الأوسط فيها تزداد باطراد ـ كما أرى ـ حيث أطلق رئيس الوزراء الياباني آبي في أغسطس 2016، رؤية بعنوان «منطقة المحيط الهادئ - الهندي الحرة المفتوحة»، وهي رؤية تسعى لإنشاء مساحة اقتصادية حرة ومفتوحة في المحيط الواسع، تربط منطقة آسيا والمحيط الهادئ والبلدان المطلة على المحيط الهندي.
وأصبحت عبارة «منطقة المحيط الهادئ - الهندي الحرة المفتوحة» مجرد عبارة طنانة، في حين استحوذت أستراليا على هذه الفكرة، وانضمت إليها الولايات المتحدة، لكن رؤية الولايات المتحدة لاستراتيجية «منطقة المحيط الهادئ - الهندي» لا تشمل الشرق الأوسط.
كما أن أفغانستان وباكستان ليستا جزءاً منها، وتقوم الاستراتيجية الأمريكية العالمية على تقسيم الهيكلية القيادية بحيث تكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط كيانين منفصلين تماماً، وعلى النقيض، أعلن رئيس الوزراء أن الرؤية اليابانية لمنطقة المحيط الهادئ والهندي لا تشمل جاكرتا أو نيودلهي بل نيروبي، وكينيا .. إنها رؤية عالمية والشرق الأوسط جزء منها، كما يعتبر البحر الأحمر - امتداد المحيط الهندي - من أكثر المناطق الواعدة في هذه الرؤية.
الأخبار ذات الصلة
حسين الشيخ
منذ ساعة
باسمة أبو شعبان
منذ ساعة
فرح سالم
منذ 4 ساعات
حسن جمعة الرئيسي
منذ 5 ساعات
جاسب عبدالمجيد
منذ 5 ساعات
أحمد المسلماني
منذ يوم