الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الثقافة.. وفكر المجتمعات

إن فهمنا لأنماط الحياة الإنسانية وتنوعها، يجعلنا دوماً أمام تحيز للعلاقات الاجتماعية، وهذا التحيز يلزمنا بالعلاقات التبادلية المنسجمة بين تلك الأنماط والثقافة؛ ذلك لأن الثقافة من حيث هي فكر تُعنى بالنمو الطبيعي للمجتمعات في ظل المتغيرات الطارئة والمتسارعة.

إن الفكر الذي تقوم عليه الثقافة يتجاوز تلك المتناقضات الاختزالية التي تجعل منها فكرة مثالية ونزعة طبيعية نحو الكيفية، ولهذا سنجد أن الثقافة تفرض ـ بحسب تيري إيجلتون ـ ثنائية بين قدرات أسمى وأدنى، إرادة ورغبة، عقل وعاطفة، وهو أمر يعيدنا إلى فكر التنوع الثقافي والهُوية.

وإذا كان ما تفعله الثقافة في المجتمعات ضمن مخاطبة الإنسانية المشتركة هو النظر إلى الكلية والشمولية؛ فإن ذلك سيدفع تلك المجتمعات إلى انتزاع الأبدي من الزائل واستخلاص الوحدة من التنوع ـ كما يقول إيجلتون ـ وهذا بدوره سيكون المؤسس إلى النظر إلى الجانب الإنساني في نفوس المجتمعات ونبذ التمايزات الإثنية، ولهذا فإن الثقافة هي تلك الصورة التي تجمع بين الذاتية والكلية من وجهة النظر الإنسانية.


لذلك، فإن الثقافة في علاقتها بالمجتمعات تتأسس على بناء (أنا) الفرد ـ بحسب مالك بن نبي ـ باعتباره عنصراً جوهرياً في المجتمع، لأنه من يحدد عناصر ثقافة تلك المجتمعات، من خلال تطوير الوسط الاجتماعي الذي يتعلق بالتنمية المعرفية والحضارية.


إن الثقافة اليوم بأنماطها الاجتماعية تجذب انتباه السياسيين والاقتصاديين على حد سواء؛ ذلك لأنها تنبع من منافع اجتماعية ترعاها السياسة ويستفيد منها الاقتصاد، لهذا سنجد أن مفهوم الثقافة يتغير وفقاً لتلك القيمة التي تكسبها إياها تلك الأنماط التي تسعى إلى أن تكون الثقافة قيمة تؤسس العمل على الإنتاجية والاستثمار من ناحية، والفكر المنفتح من ناحية أخرى.

لهذا فإن الثقافة بوصفها نمطاً اجتماعياً تعتبر التعدد والتنوع قاعدة أساسية للتقدم والتطور، إلا أن تلك الطفرة في نمو المجتمعات جعلت من الانفتاح وابتعاد الدوائر الاجتماعية، وشبكات التواصل، والعلاقات التجارية، بالإضافة إلى أنماط الحياة المتسارعة كلها سبباً في ظهور تلك المفاهيم والتعريفات المتداخلة عن الثقافة، بل ظهرت دينامية في تعزيز التنوع والتعدد إلى الدرجة التي جعلت الكثير من المجتمعات تعمل على إبراز الهويات المتعددة، وتأسيس مجالات يمكن من خلالها إدماج المجموعات المتمايزة ثقافياً.

إن الحديث عن الثقافة هنا يدفعنا إلى الحديث عن تلك المظاهر التنموية التي تقوم عليها في ظل الكثير من المتغيرات التقنية الهائلة.