الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

الأدب.. ونهاية عصر الإنسان!

العالم مكون من نصوص أدبية تعيد لنا إنسانيتنا كلما هربت منّايناقش اليوم، المهتمون عالمياً بالشأن الأدبي، مسألة في غاية الدقة والحدة، تطرح إشكاليتها ضمن جملة من الأسئلة منها: ما جدوى الأدب في عالم النار، والقنابل النووية التي يمكنها أن تمسح الأرض من الوجود مائة مرة، ولا تبقي فيها شيئاً إلا اليباب؟، وما دور عالم الهشاشة أمام عالم الغطرسة والقوة؟، ثم كل المساحات الممكنة سرقت فماذا بقي للأدب في النهاية؟.

الإجابة بسيطة، بقي للأدب كل شيء، ولا شيء؟ لا شيء، طبعاً إذا اتّخذنا منطق القوة المادية مقياساً وهو ليس كذلك إلا مرحلياًّ، وإلا فإننا لا نعرف مسار الإنسان حضارياً؟.. تُرى ماذا بقي من الرومان والفرس والممالك الأوروبية التي هزمتها الحرب العالمية الثانية؟.

كل شيء إذا اعتبرنا أن عالم الأدب أكبر من لحظة مادية طارئة، فهو ذاكرة تعتمل في عمق الأجيال المتعاقبة وتربطها ببعض، وتُسهم في خلق نموذج إنسان اليوم.


فمثلاً في الشخصية الأوروبية الحضارية اليوم، يتخفى «ماكبث» لشكسبير، و«إني أتهم» لإميل وزولا وهو يدافع عن الحق المداس، و«زوربا» كزانتزاكي في استماتته من أجل إنسانيته، كما يوجد جورج أورويل في استشرافه في 1984 لعالم بيج بروذر البغيض، الذي كان يرتسم في الأفق، وينام «هكذا تحدث زرادشت» لنيتشه بكل جبروت فكره.


في ذاكرة الذين يعبرون أمامنا المطارات، وقاعات السينما، والمسارح، وفي الشوارع الواسعة، شيء من إلياذة هوميروس، وزمن مارسيل بروست الضائع، و«كارمن» لميريمي.، إذْ لا يمكن لهذا العالم المخزّن في أعماق الإنسان ألا يترك أثراً فيهم، ويمنح الحياة مساحات لا تحصى للحلم حتى عندما تنغلق هذه الأخيرة.

لنا أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا في العالم العربي، نحن الذين لا نقرأ كثيراً، أو لا نقرأ إلا قليلاً بالقياس إلى الأمم الأخرى (لا نحتاج إلى إحصائيات كبيرة، يكفي متوسط النشر المخجل ألف نسخة لـ 300 مليون نسمة) لندرك كم ما زلنا بعيدين: ماذا فعلنا نحن؟.

الغد يصنع اليوم، فماذا منحناه غير أوطان تتمزق، وموت يتربص به وبأحلامه، ورماد بلدان ظننا، إلى وقت قريب، أنها لن تموت أبداً، وأنها ستقاوم.

إنسان الغد لا نصنعه اليوم، لكنهم يصنعونه لنا، مفرغاً من الداخل، سهلاً، خالياً من روابط الثقافة كقيمة إنسانية وليس كاستهلاك.. نحتاج إلى الكثير من الصبر، والكثير من الثقة، لنفكر في أمر كهذا، مصائرنا معلقة به.

نعم للأدب ما يقوله، وللفنون المصاحبة له ما تقوله، تمنحه لعالم ليس مكوناً فقط من اقتصاد، ولكن أيضاً من نصوص أدبية تعيد لنا إنسانيتنا كلما هربت منا، شعر يذهب بنا بعيداً نحو الأراضي البكر التي يمكن لنا أن نبني فيها أجمل البيوتات التي لا تعصف بها الرياح لأنها في عمق إنسانيتنا، وموسيقى تذكرنا أننا ما زلنا قادرين على البكاء في اللحظات الأكثر هشاشة، فنحفر عن الإنسان المتبقي فينا.

الأدب والإنسان متلازمان حتى النهاية، عندما ينتفي الأول يلحق به الثاني، وتلك نهاية عصر الإنسان.