الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

اليمن .. الحوار والتاريخ الآثم

حقيقتان ماثلتان للعيان تغطيان جوانب كبيرة في التاريخ اليمني نجد آثارها الناطقة في عشرات ومئات السدود المنتشرة في العديد من المناطق، وتشهد بها المدرجات الزراعية في جبال اليمن الشاهقة، وتتجلى قيم التعاون وثمرتها في شق وتعبيد طرق التجارة، ومهارة عمال البحار؛ فقد قامت الحضارة والدولة اليمنية السبئية والمعينية والحميرية على قيم التآخي والتصالح والتعاون والزراعة والتجارة، ويعود انهيار الدولة والحضارة إلى الحروب، والانصراف للعصبيات القبائلية والتعادي.

شهدت الثورتان اليمنيتان: سبتمبر 62، وأكتوبر 63 حروباً كاثرة ومتناسلة: الجمهوريين والملكيين، وأحداث أغسطس 68، وحربي 72، و79، وحروب الوسطى منتصف سبعينات القرن الماضي، بعض هذه الحروب انتهت بالمصالحة، وشهد الشمال طوال سنين حروباً أهلية، ومؤتمرات عدة: «أركويت 63»، و«الجند 65»، و«الطائف 66»، و«حرض 67»، كما أن حربي 72 و79 بين الشمال والجنوب انتهت بالتصالح.

اللافت في حروب ما بعد الثورة اليمنية والتي لم تحسم بالتصالح ظلت جذوتها مشتعلة: «أحداث أغسطس 68»، و«صراع الجبهة القومية والتحرير قبيل نيل الاستقلال 67»، و«أحداث يناير في الجنوب 86»، و«حرب94»، و«حروب صعدة الستة 2004»، وارتدت هذه الحروب لبوس الطائفية والجهوية والقبائلية، واستمرت وتصاعدت بعد انقلاب 21 سبتمبر 2014.


بعد ثورة الربيع العربي 2011 توافق اليمنيون على قيام مؤتمر الحوار الوطني الشامل، لكن انقلاب 21 سبتمبر صعَّدَ الحرب، وفتح الباب أمام صراع إقليمي.


بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية والإقليمية المركبة والمتداخلة يتبدى عجز الحسم العسكري، وتعسر ولادة الحل السياسي.

اليمنيون أمام طريقين: إما الاستمرار في حرب مستدامة تأتي على ما تبقى من وجود، أو القبول بالاحتكام والعودة للحوار، والقبول بالتسامح والتصالح، والتشارك في الحكم والحياة، وهو ما قامت عليه الدولة والحضارة في اليمن منذ القدم، وجسدته مخرجات الحوار الوطني الشامل، ومشروع دستور دولة الوحدة الديمقراطية الاتحادية.

دعوات وقف الحرب والعودة للحوار لا تزال محصورة ومحاصرة بحُمَّى العنف والكبت. ففي اليمن شمالاً وجنوباً لا صوت يعلو فوق صوت ضجيج المدافع وأزيز الرصاص، وخطاب التكفير والتخوين والتأثيم.

فعل الموت وخطاب الكراهية، ومصادرة حرية الرأي والتعبير، وقمع الحريات العامة والديمقراطية هي السائدة، وليس من مخرج غير وقف الحرب والعودة للحوار.

التلازم متين بين قمع الحرية وخطاب الكراهية، وليس أمام اليمن وشعبها غير الخلاص من الإرث الوبيل للحروب وحكم الغلبة والقوة - التاريخ الآثم - كتسمية الأحرار اليمنيين، أو القبول بالتعايش والتصالح عبر العودة للحوار.