الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الأزمة أكبر من ظريف

رغم رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني استقالة وزير الخارجية محمد جواد ظريف من منصبه، فإن خبر الاستقالة في حد ذاته يحمل في طياته العديد من الدلالات .. فجواد ظريف الدبلوماسي المخضرم الذي مثل لسنوات طويلة الوجه الإصلاحي مع الغرب، كما أنه من أهم عناصر فريق إنجاح الاتفاق النووي عام 2015، لكن علام تؤشر الاستقالة المفاجئة لأهم رموز الدبلوماسية الإيرانية وفريق الرئيس حسن روحاني؟.

يمكن القول إن الاستقالة، رغم رفضها، تحمل دلالات كثيرة تؤدي للنتيجة نفسها، فظريف علق على غيابه عن مشهد لقاء الرئيس السوري بشار الأسد، مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، بحضور قاسم سليماني الوجه الأكثر تشدداً وقائد فيلق القدس الإيراني، بالقول «عقب انتشار صور الاجتماعات، لم يعد لجواد ظريف قيمة كوزير الخارجية أمام العالم» .. جاء هذا الامتعاض العلني، ليكون دليلاً على احتدام الصراع بين المتشددين والرئيس حسن روحاني، فأراد المتشددون إبراز سيطرتهم، وإقصاء ظريف الذي يرمز للحوار مع الغرب وكأن النظام يريد توجيه رسالة مفادها أن إيران قررت التوجه للوجوه الخشنة، والتي تفضل نهج التشدد.

وتصاعد التوتر بين المتشددين والرئيس روحاني منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات التى أثرت سلباً في الاقتصاد، فزاد الضغط على الرئيس روحاني، وتجلى ذلك التوتر من خلال تعمد الحرس الثوري إطلاق تجارب صاروخية عدة مرات، فضلاً عن التهديد بترك الصفقة، والإعلان عن مجموعة من الأنشطة النووية التي كانت تستعد إيران للمضي قدماً فيها، لذا فاستقالة ظريف تمنح التيار المتشدد سيطرة أكبر على المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي وغيره، كما تمنحهم فرصة للتهديد بشكل مباشر في محاولة لانتزاع التنازلات .. وهو اسلوب طالما اتبعته إيران.


كما برز التوتر بين التيارين في أعقاب رفض التيار المتشدد الالتزام بتعهدات إيران فيما يخص التزامات مجموعة العمل المالي، والتى أمهلت إيران حتى يونيو للالتزام بالرقابة المالية لمكافحة الإرهاب، وإلا فستواجه رقابة مالية أكثر صرامة.


وقد سبق أن صرح ظريف في مقابلة مع التلفزيون الحكومي، بمصالح لجهات نافذة في ملف غسيل الأموال، إذ قال «غسيل الأموال حقيقة في بلادنا، وهناك أشخاص حققوا على سبيل المثال ربحاً بقيمة 30 تريليون تومان (7 مليارات دولار)». وكان ظريف قد تعهد للاتحاد الأوروبي بالدفع نحو التوقيع على اتفاقية (FATF) باعتبارها جزءاً من تعهدات إيران بموجب الاتفاق النووي، لكن ذلك لم يتحقق جراء معارضة المتشددين الذين يرون أن التوقيع على هذه الاتفاقية يفتح الباب لمحاسبة إيران دولياً بسبب دعم ميليشيات حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي العراقي وغيرها.

وقبل إعلانه الاستقالة، صرح ظريف مرتين بتعبيرات توحي بشدة الاستياء من ضغوط المتشددين، فقال عن المتشددين «لا يمكنهم إلقاء اللوم في كل مشاكل البلاد على الغرب»، وانتقدهم في خطاب ألقاه في طهران، قائلاً «لا يمكننا أن نختبئ وراء مؤامرة الإمبريالية ونلومهم على عدم قدرتنا»، وأضاف «الاستقلال لا يعني العزلة عن العالم».

وفي هذه الأثناء، كانت المساعدة الموعودة من الاتحاد الأوروبي إلى إيران لموازنة العقوبات الأمريكية بطيئة إلى حد لا يذكر. وحتى آلية تسهيل التجارة مع طهران المسماة بـ SPV سيكون تأثيرها محدوداً للغاية.

وفي كل الحالات، استقالة ظريف هي نقطة تحول في العلاقة بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي يحاول الحفاظ على الاتفاق النووي، فرحيل أحد الوزراء الذين حاولوا موازنة سياسات الحرس الثوري الإيراني يمكن أن يؤدي إلى تغييرات أسوأ عندما يتعلق الأمر بالنشاط الإيراني في سوريا والخليج، والتصعيد في مواجهة كل الأطراف.