الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

عصر الاحتجاج .. سطوع شمس

الاحتجاج المدني السلمي قاطرة الثورات عبر التاريخ كله، فليس هناك مجتمع أو بلد أو شعب أو أمة إلا وقد شهد ألواناً وأشكالاً من الاحتجاجات المدنية والسلمية.

الدعوات الإصلاحية في كل زمان ومكان احتجاج بأسلوب معين، وكل الثورات، حتى الأكثر دموية وعنفاً، بدأت أو مرت بمراحل احتجاج سلمي، ويتخذ الاحتجاج أساليب وأشكالاً مختلفة عدة من زمن لآخر ومن بلد لبلد، لكنَّ الطابع السلمي هو السمة الرئيسة.

جل الثورات الصغرى والكبرى التي تبدأ سلمية وعفوية وتلقائية، في الأغلب يحولها القمع والقهر الذي يمارسه الطغيان إلى العنف والاحتراب.


الثورات الكبرى شهدت مقدمات أساسية من الاحتجاج السلمي، إذ كان القرن السابع عشر عصر الاستعمار بامتياز، كما كان القرن الثامن عشر عصر التنوير، والقرن العشرون عصر الثورات الكبرى: الثورة الروسية، التركية، الهندية، المصرية، وحركات التحرر الوطني: الجزائر، والفيتنام، والعديد من بلدان القارات الثلاث.


حققت الهند استقلالها بالكفاح السلمي، وبالمقاطعة والمقاومة السلبية، وكانت الثورة الإيرانية ثمرة مظاهرات سلمية أطاحت بسادس جيش في العالم قبل أن تغتالها ولاية الفقيه.

أشكال وأساليب النضال تتداخل وتتمازج وتتعاقب؛ فالقرن السابع عشر- وهو عصر الاستعمار- شهد أيضاً وجود أساليب عديدة للمقاومة المسلحة والسلمية، والقرن العشرون عصر الثورات، وحركات التحرر الوطني، والانقلابات العسكرية - شهد أيضاً ارتدادات وانكسارات، وتراجعاً هنا وهناك، كما شهد أيضاً بروز احتجاجات سلمية، بعضها كان مقدمات أساسية للثورات المسلحة، وبعضها قُمِع باكراً، وبعضها يمتد ويرتد كحالات مد وجزر.

القرن الواحد والعشرون يمكن أن يسمى قرن الاحتجاجات السلمية باعتبارها بديلاً لما بعد الاستعمار والاستبداد بأشكاله وصوره المتعددة.

غطت حروب التحرير والانقلابات العسكرية العديد من بلدان العالم الثالث والرابع، وعمت القارات الثلاث: آسيا، وأفريقيا، وأمريكا اللاتينية.

تَسَيُّد العنف في الثورات الكبرى: الفرنسية، والروسية، والتركية امتد أثره لحركات التحرر الوطني، وهي - وإن بدأت سلمية - فإن الاستعمار والاستبداد فرضا رد فعل من نوع الفعل نفسه، وتسيدَ العنفُ الأعمى فيما بعد ليصبح الوسيلة الوحيدة في إدارة الحكم، واتسمت الانقلابات العسكرية في بعض أقطار الوطن العربي والعديد من القارات الثلاث بالعنف الدامي؛ فصادرت الحريات، وساد حكم الغلبة والقوة.

موجة ديمقراطيات بلداننا، والانتخابات الملغومة بالتزييف بدأت في الافتضاح والانحسار؛ فالاحتجاجات السلمية تتصدر الآن المشهد؛ لتحل محل حكم الشرعية الثورية، أو الانتخابات المفبركة في عالمنا، وقد تمتد إلى أبعد من ذلك، وشمسها آخذة في السطوع.