الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

مستقبل الثقافة .. وآفاقها

يخبرنا سيجموند فرويد في كتابه «مستقبل وهم»: أنه «حين يكون المرء قد عاش طويلاً في جو ثقافة بعينها، وحين يكون قد بذل قصارى جهده في أحيان كثيرة ليكتشف أصولها وطرق تطورها، فلا بد من أن يحس ذات يوم بإغراء يدعوه إلى أن يدير ناظريه في الاتجاه المعاكس»، وهو أمر يحيلنا إلى أهمية الانفتاح الإنساني على الثقافات الأخرى وخطورة التحولات الثقافية التي يمكن أن تؤثر في كينونة مجتمع ما.

وعلى الرغم من أن فرويد في مقولته تلك يحدثنا عن مستقبل الثقافة في ظل التحولات الشمولية والشكوك التي تثيرها تلك التحولات في ظل الميول والاستعدادات الذاتية للأفراد نحو إغواء المستقبل، والسيطرة على قوى الطبيعة وبناء العلاقات الإنسانية، إلا أن الأمر بالنسبة للثقافة لا يتوقف عند هذا الحد؛ ذلك لأن بناء ثقافة أي مجتمع يتأثر بتلك المتغيرات التي تنتجها الأنماط المعرفية المختلفة.

إن مستقبل الثقافة في ظل المتغيرات والتحديات التي يشهدها العالم يثير الكثير من التساؤلات المتعلقة بتلك المفارقات المتداخلة ما بين معطيات تقنية هائلة وصناعات فكرية وأيديولوجيات ثقافية متنامية، كلها تجعل قدرتنا على فهم التغيرات المتسارعة للثقافة وتحليل أبعادها أمراً في غاية الصعوبة؛ ذلك لأن الأمر هنا لا يتعلق بالقدرة التأويلية بل بالقدرة على إيجاد نظام من الأنماط المعرفية الواضحة، والتي يمكن من خلالها تعيين المسارات المستقبلية الواضحة للثقافة.


ولأن الثقافة هي: شبكة من أنظمة العلامات القابلة للتفسير والتأويل ـ بحسب غيرتز كليفورد ـ فإنه لا بد من أن يكون ضمن هذه الشبكة مجموعة من المعطيات التي تساعدنا على هذا التفسير وذلك التأويل، غير أننا في ظل هذه المتغيرات المتداخلة والمتسارعة سنجد أن ما أشار إليه فرويد يفسر لنا كيف تتداخل الثقافات وكيف تغوي الثقافات الأجنبية أبناء ثقافة أخرى بالولوج إلى عالمها، بهدف الاستكشاف.


إن العالَم الثقافي اليوم في ظل التطورات الهائلة للتقنية والتكنولوجيا الواسعة الانتشار سيجد نفسه أمام متغيرات هائلة، مسؤولة عن اجتياح الثقافة الجماهيرية التي أسقطت ثقافة النخبة أو جعلتها هامشية، وهو أمر يحيلنا إلى أهمية عمل الأنظمة الثقافية ومدى ترابطها من أجل ترتيب تلك الكيانات الثقافية المؤسسة للمجتمع، في محاولة للمحافظة على الهُوية الثقافية الوطنية في مقابل الهُويات العامة، ولا نقول ذلك دفاعاً عن ثقافة النخبة فهي أمر لا يعنينا بقدر ما تعنينا الثقافة المجتمعية التي تتأسس على مجموعة من الأنظمة المعرفية الراسخة في المجتمعات، ومستقبل تلك الثقافة.