الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الرواية التاريخية .. وفعل «التخييل»

سجال كبير يدور حول الرواية التاريخية، عربياً وعالمياً، فهي باختصار نوع أدبي يرتكز على التاريخ من موقع الأدب، لخلق كيان جديد .. فلا رواية تاريخية بدون فعل التخييل الذي يخرجها من يقين التاريخ.

فهي باستدعائها للمتخيل الذي يعمل أدبياً على محو فعل الحقيقة التاريخية ونقلها إلى عالم الإبداع والكتابة الروائية تتقاطع مع التاريخ كعلم، وتتأسس من حيث هي بنية جمالية واسعة وغير محدودة، بالمعنى التاريخي، على فعل التخييل الذي يعيدها إلى وظيفتها الأساسية التي هي الكتابة الأدبية والإبداع، ما عدا ذلك، ستتحول الرواية إلى تاريخ مضحك، لا شأن له بالجنس الروائي.

لهذا أستغرب بعض الآراء النقدية لحسم قضية هي مثار نقاش عالمي، فبدل أن يذهبوا بعيداً في السجاليَّة، قرروا الانتهاء مع الرواية التاريخية، واستبدالها مصطلحياً بالتخييل التاريخي، مصطلح نفسه ليس قاراً منذ أن استعمله دوبروفسكي في تحديد نوع من السيرة التي تتماهى مع الأدب، فالقول إنه «آن الأوان لاستخدام مصطلح التخيّل التاريخي» لا يحل الإشكال مطلقاً، لأن أمراً كهذا يتعلق بممارسة إبداعية شديدة التعقيد، وليس تسمية فقط أو مصطلحاً.


مصطلح «الرواية التاريخية» سيظل قائماً ما دام هناك أدباء يبنون نصوصهم على إيقاع الوقائع التاريخية، أو الشخصيات الفارقة، فهذا الاستبدال لن يدفع بالكتابة السردية التاريخية إلى تخطّي مشكلة حدود الأنواع الأدبية ووظائفها، ولا يفكك ثنائية التاريخ والرواية، ولن يعيد دمجهما في هوية سردية جديدة، وستظل عقلية المطابقة مع المرجعيات التاريخية قائمة مادام التاريخ يشكل رهاناً ثقافياً، فما يبدو بسيطاً في ظاهره، ويمكن حله بقرار «نقدي»، سيكون بلا جدوى عملياً.


مصطلح التخييل التاريخي عائم جداً، فهو ينطبق على كل الأجناس، القصصي منها والمسرحي، والفني، وحتى الشعري، بينما يتعلق الأمر ههنا بنوع يرتبط عضوياً بالرواية، ويشكل أحد تفرعاتها، كالرواية النفسية، فتصبح، بناء على هذا المنطق، التخييل النفسي، والرواية الاجتماعية تصبح التخييل الاجتماعي، والرواية الوجودية التخييل الوجودي، وهكذا. سيقود هذا المصطلح الذي لم يفرض وجوده بعد سنوات عدة من استعماله إلى بلبلة تضاف إلى الفوضى المصطلحية العربية الكثيرة الموجودة حالياً.

الرواية التاريخية مصطلح قار، ولا يدعو إلى أي لبس، ولا لأي تغيير منذ تنظيرات لوكاتش النوعية للرواية التاريخية، والذين يرون في الرواية التاريخية استمراراً للمادة التاريخية سيستمرون في هذه العقلية وليس تغيير المصطلح هو ما سيهز يقينهم، أما ردة فعل المؤسسة التاريخية العربية التي هي سياسية بامتياز فلن تتغير قيد أنملة، في موقفها ووعيها، إذ كلما ذُكرت حادثة تاريخية ما، في رواية ما، التفتت نحوها وبدأت تتقصى ما وصلها من معلومات، قبل الانقضاض عليها بالمصادرة أو المنع، في حالة نقد النص ما تعتبره هي تاريخاً مقدساً، سواء تغير المصطلح أم بقي كما هو، ففي وعي هذه المؤسسة تظل الرواية التاريخية امتداداً طبيعياً للتاريخ.