السبت - 30 مارس 2024
السبت - 30 مارس 2024

الإنسان وأول مهنة علمية

التاريخ جزء من الإنسان، فهو قبل أن يكون علماً له أصول وفروع ومتطلبات وأقسام ومنهج علمي ودروس، قبل هذا جميعه، هو ممارسة بشرية أزلية رافقت الإنسان منذ فجر التاريخ وحتى اليوم.. نشاهد ملمحاً من وظيفة المؤرخ التي نمارسها جميعاً بطريقة مباشرة وغير مباشرة، عندما ننقل أخبار الماضي والأحداث التي وقعت في أوقات سابقة ونرويها لمن لم يحضرها أو لمن يجهلها. جميعاً أو معظمنا جلسنا بين يدي أمهاتنا وآبائنا أو الجد أو الجدة، وسمعنا عنهم ومنهم قصصاً عن طفولتهم وشبابهم والبعض من الأحداث التي وقعت في زمنهم، وهذه المهمة أردنا أو لم نرد هي نوع من التوثيق وتسجيل أحداث ماضية وقعت. وهنا لا توجد أي عملية تقليل من التاريخ كعلم ومنهج، لكنه العلم الذي نمارسه على أرض الواقع وندركه ونفهمه قبل أن نتخصص فيه أو حتى قبل دراسته. ولعل أهم خصلة وصفة يتمتع بها الإنسان وساهمت في تطوره ورقيه تمكنه من أن يكون مؤرخاً، قدرته على أن ينقل الأخبار والأحداث من مكان إلى آخر. وعندما نقول إن هذه الخصلة ساهمت في التطور والتقدم، فنحن لا نجانب الصواب، لأن عملية التوثيق التي مارسها الإنسان، ونقله للأحداث التي تقع ثم استفادته من الأخطاء ثم تلافيها ساهمت في التطور البشري، وهذا يلقي بالضوء على وظيفة المؤرخ والتاريخ، ومدى مساهمته في صون التجارب وتطورها.. ولعل من أقدم شواهد محاولات الإنسان منذ فجره كتابة تاريخه ما نشاهده على الصخور وداخل الكهوف من منحوتات ورسوم لأشكال حيوانات أو رموز تحمل دلالات، وكأن الإنسان القديم حاول وعمل على كتابة تاريخه لينقله للأجيال التالية. ومن هنا نستشف أن من أقدم العلوم التي ابتكرها الإنسان هي التاريخ، ومن أقدم المهن العلمية التي توجه نحوها هي كتابة التاريخ ـ المؤرخ ـ وهذه جميعها ترفع من قيمة التاريخ كعلم. ويكفي أن هذا التاريخ هو الوحيد القادر أن يؤثر في جميع العلوم، حيث ستجده ماثلاً في الفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والفضاء والرياضيات...إلخ. وملتصقاً بها وساهم في تطورها وتقدمها. الإنسان كان وما زال مؤرخاً مخلصاً أراد أو لم يرد.