الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

نحو الاستقلال التكنولوجي

بعد أن تناولنا الدور المحوري للتكنولوجيا في حياتنا المعاصرة من خلال سلطتها ووضّحنا (النُظم التكنوجتماعية)، ثم أظهرنا الروابط بين عوالم التكنولوجيا والتنمية، يمكننا أن نخطو نحو الخلاصات المنطقية لهذه الروابط.. نقول إن مساعي التنمية، في مجمل المجتمعات النامية، لا مناص لها من اصطحاب مساعي تكنولوجية مُعرّفة الاتجاه، ونسمّي هذا الاتجاه بالاستقلال التكنولوجي.

ولمعرفة الاستقلال التكنولوجي نبدأ بمعرفة نقيضه، أي التبعية التكنولوجية، وهي حالة تعاطي المجموعة مع ظاهرة التكنولوجيا كمستقبِلة ومستهلِكة فقط، وفي أفضل الأحوال كمقلِّدة بصورة بعيدة عن الندّية مع المجموعات المولّدة للتكنولوجيا، والإشكالية هنا نسبيّة، إذ حتى أكثر المجتمعات ابتكاراً للتكنولوجيا تستورد وتستهلك إنتاجات مجتمعات أخرى وتتبادل معها في علاقات تجارية ومعرفية مفهومة، كما أن الحضارة والمعرفة عموماً في أي مجتمع تنمو بصورة ديناميكية عن طريق التواصل والتبادل مع الآخر.

الإشكالية تظهر حين تكون هذه العلاقة التبادلية، مادياً ومعرفياً، ليست تبادلية وإنما باتجاه واحد.. في دراسات التنمية والتحوّل التكنولوجي تسمّى كذلك بالاستعمار التكنولوجي. معظم البلدان النامية اليوم تسعى، ضِمناً أو صراحة، لتجاوز هذه الحالة.. أي تسعى لتحقيق الاستقلال التكنولوجي.


إذن فالاستقلال التكنولوجي يعني القدرة على التعاطي مع باقي العالم، في العلاقات التبادلية المنفعية التي تخص المنتجات والخدمات التكنولوجية، بمستوى من الندّية واستقلال القرار.. كذلك يعني الحيازة على المستوى الضروري من الكفاية المحلية في المجال التكنولوجي بحيث يستطيع المجتمع أن يتكفل داخلياً بالاحتياجات الأساسية لأعضائه؛ احتياجات التنمية البشرية. اختصاراً، نعرّف الاستقلال التكنولوجي بصفته المرحلة التي تبلغ فيها الجماعة القدرة على تقرير المصير في الشؤون التكنولوجية. وأي مشروع تنمية مستدامة، لأي بلاد نامية، ينبغي قياس مؤشراته بمقدار ما تحقّق من ذلك الاستقلال.


مثل هذا المنظور، وهذا التوجّه، لا شك يحتاج لقدرات تخطيطية وتنفيذية كبيرة، ورؤى منهجية، الأمر الذي بدوره يحتاج توسّعاً في دراسة الأمر والظواهر المحيطة به، لاستخلاص العِبَر ورفع القدرات وتوطينها (نظرياً بالتعليم وفنيّاً بالتدريب وتطبيقياً بالدعم والتشجيع العام والخاص)، لأجل ذلك فمجال دراسات التكنولوجيا مجال خصب، متداخل التخصصات والخبرات، ومشتبك مع مجالات أخرى حيوية كالحوكمة والتخطيط الصناعي، والتاريخ، وحتى الثقافة.