الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

وطن المليون شهيد.. الانتفاضة والميراث

اشتهرت الجزائر عالمياً بوطن المليون شهيد، حيث قاوم الجزائريون المستعمر الفرنسي منذ عام 1830، وشهد القرن التاسع عشر والنصف الثاني من القرن العشرين مقاومة ضارية ضد الاحتلال الفرنسي؛ ففي عام 1954 تشكلت جبهة التحرير الوطني، بعد أن تأسست جبهة العلماء المسلمين الجزائريين بقيادة العلامة عبد الحميد بن باديس وتلميذه البشير الإبراهيمي، وذابت مختلف الأحزاب والاتجاهات في الجبهة لتقود الكفاح المسلح، حتى نالت الجزائر استقلالها في الخامس من يوليو 1962.

تميز النضال الوطني والقومي في المغرب العربي، خصوصاً في الجزائر، بدمج العروبة في الإسلام، ويعود ذلك إلى قضيتين أساسيتين: أولاهما: الطبيعة الاستيطانية للاحتلال الفرنسي والجنوح للفرنسة شأن الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين، وثانيهما: تعبير العروبة والإسلام عن الهوية الوطنية للشعب الجزائري.

فمنذ حركة الأمير عبد القادر الجزائري، وصولاً إلى عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمي كان الدفاع عن العروبة دفاعاً عن الإسلام في الوقت ذاته، والعكس صحيح، بخلاف نهج بعض الإسلام السياسي في المشرق العربي الذي اعتبر العروبة والقومية صنماً يعبد، ووضع الإسلام في مواجهة القومية، واعتبر بعضهم الإسلام هو الوطن. الممازجة بين مختلف أشكال وأساليب النضال السلمي والمسلح هو سر نجاح الثورة الجزائرية، كما كان لوحشية وعنف الاستعمار الفرنسي وعنصريته أثراً كبيراً على طبيعة الكفاح.


سيطرت جبهة التحرير الوطني الجزائري على كل مفاصل الحكم، وفرضت حكماً شمولياً، وحققت إنجازات لا تنكر، ولكن غياب الديمقراطية والحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، وتهميش المجتمع المدني، والجنوح للعسكرة والتسلح على حساب البناء الاقتصادي والاجتماعي وتحديث المجتمع، وعدم الاعتراف بالتنوع والتعدد الإثني، حرم الجزائر من إمكانات وقدرات فائقة، وهو ما شكل أو بالأحرى خلق معارضة إسلامويَّة عنيفة على شاكلة الحكم نفسه، عبرت عنها كارثة «العشرية السوداء» في تسعينيات القرن الماضي كما يسميها الجزائريون.


الانفتاح الذي شهدته الجزائر عقب التعددية السياسية عام 1989 ظل محدوداً ومحاصراً بالشرعية الثورية للجبهة، الماسكة بمفاصل الحكم وشرعية القوة، وكانت الانتخابات المكررة متحكماً بها.

لقد كان الطموح منذ الاستقلال بناء دولة مدنية ديمقراطية، وهو ما عبرت عنه مطالب تيار مدني جوبه بالرفض، وما يميز انتفاضة الجزائر اليوم هو قوة مجتمعها وحيويته، ففساد الحكم واستبداده وعسكرة الحياة هي الأرضية الخصبة لنمو الانتفاضة، ورفد قدرتها على الحسم والخلاص من ميراث التاريخ المتراكم.