الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الخليج العربي .. والتعدد الثقافي

إن الثقافة تكشف عن مسار نقلات تاريخية مهمة في مجالات متعددة سياسية واجتماعية تنطوي على قدر من التعقيد والتداخل؛ ذلك لأنها ـ كما يقول تيري إيجلتون في (فكرة الثقافة) ـ تعني «نزوعاً نشطاً إلى النمو الطبيعي»، وهذا النمو يكشف بالضرورة عن تلك العلاقة الجدلية بين (الاصطناعي والطبيعي)؛ فهو «ما نفعله للعالم وما يفعله العالم بنا» ـ بحسب إيجلتون.

فالثقافة كما يقول كليفورد غيرتز في (تأويل الثقافات)، «المجموع الكلي المتراكم (للأنماط المعرفية والسلوكية)، ليست مجرد أداة تزيين للتجربة الإنسانية، بل هي شرط أساسي فيها، بل القاعدة الأساسية لتفردها»، ولهذا فإن الحديث عن الثقافة هو حديث عن الإنسان بوصفه (المكون المركزي في إنتاجه) ـ بحسب غيرتز.

ولكي نقول إن لثقافة منطقة الخليج العربي تعددها وتنوعها، فإن علينا ألا ننسى أن هذه الثقافة هي مكون خاص من مكون عام هو المكون الإقليمي، ولهذا فإن المرجعية الثابتة لهذه الثقافة هي مرجعية تقوم على مستويات معرفية محددة تتناسب مع الأبعاد المعرفية للمجتمعات العربية عموماً، إلا أنها تتخذ لنفسها خصائص تكشف تلك الأبعاد وتحددها.


لذا، فإن التنوع الثقافي بوصفه إحدى أهم تلك الخصائص يعكس التعدد الثقافي للمجتمع ويعززه، وهو أمر لا يكون سوى في تلك المجتمعات التي تتميز بالحرية الثقافية؛ ذلك لأنه يقرّ بأحقية جميع أفراد المجتمع في الحفاظ على تراثهم الثقافي وتعزيزه والمشاركة فيه مشاركة فاعلة وإيجابية؛ وهذه الحرية تتأسس على مستوى القدرة على المشاركة واختيار أسلوب حياة يعبِّر عن المكون الثقافي؛ ذلك لأن التنوع الثقافي يؤسس التنمية الثقافية في المجتمعات بوصفه ركيزة أساسية تقوم عليها التنمية والرفاه المستدام، لأن التنوع يشمل مناحي الثقافة جميعها، لأنه يقوم على مجموعة مكونات تشمل التنوع الجغرافي والاجتماعي واللغوي والديني، وتنوع المكون الثقافي.


إن التعدد الثقافي من المعطيات الأساسية لتاريخ الإنسانية في منطقة الخليج العربي، فعبر تغير الحقب التاريخية تتعدد الأنماط الثقافية وتتنوع بطريقة تكشف عن تلك الأنماط الاجتماعية وصيرورات الإدماج في المجموعات الإنسانية بحيث يظهر التنوع الإثنو ـ ثقافي في تشكيل الكيان الوطني، ولهذا فإن تنوع المكونات يعود إلى تنوع تلك المجموعات الفكرية الوطنية من ناحية، والمقيمة فيها والوافدة إليها من ناحية أخرى، فلا يمكن النظر إلى تشكيلات هذا التنوع الثقافي دون النظر إلى تلك المتغيرات التي تحدثها المجموعات الوافدة والمقيمة التي أسهمت اجتماعياً وثقافياً في إحداث مجموعة من التنويعات الفكرية.