الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

اعتداء نيوزيلندا.. وخطاب المظلومية

كان مفجعاً وصادماً العمل الإرهابي الذي استهدف جموع المصلين يوم الجمعة في مدينة كرايست تشيرتش في نيوزيلندا .. أسلوب التخطيط للعملية الإرهابية، وتنفيذها وبثها مباشرة عبر برنامج فيسبوك، والسلوك غير السوي لمرتكب الجريمة حين القبض عليه، كلها تدل على ثقافة كراهية خطرة تجتاح العالم، وجاء الرفض النيوزيلندي للجريمة مؤثراً جداً، سواء من جهة الشعب الذي عبّر عن صدمته وحزنه وتضامنه مع (الأقلية) المسلمة، والتفافه حول المساجد لحمايتها من أي اعتداء مماثل، أو من جهة الحكومة النيوزيلندية التي خرجت رئيسة وزرائها باكية متّشحة بالسواد ومتدثرة بالخمار، تتبادل الدموع والأسى مع ذوي ضحايا الجريمة.

الإرهاب سليل التطرف، والتطرف، غالباً، هو وليد (تربية دينية متعصبة) قوامها الأفكار (العنصرية) التي يبتدعها البشر بذريعة حماية الدين، والحالة العنصرية هي سمة لا تنعدم في أي ديانة، وظاهرة تطفو على السطح في جميع المجتمعات.

فقد شهدت أوروبا في القرنين السادس عشر والسابع عشر ـ في العديد من دولها ـ حروباً دينية طاحنة بين الطوائف المسيحية، تجاوزت المئة وثلاثين عاماً، وفي الهند يتعرض المسلمون لهجمات إرهابية تُحرق فيها مساجدهم من قبل الهندوس والبوذيين، وفي العراق وسوريا تعرض المسيحيون والإيزيديون وبقية الأقليات للتطهير العرقي من قبل الدواعش وغيرهم من الجماعات الإسلامية المتطرفة، وتلك الحوادث جميعها تثبت أن العالم كان ولا يزال محكوماً، في جزء كبير من ضميره، باليمين المتطرف. ولأني مسلمة، فإن أشد ما آلمني في مأساة المصلين في نيوزيلندا الاستثمار البرغماتي للجريمة من قبل بعض المسلمين أنفسهم، إذ حاولت جماعات الإسلام السياسي إعادة تجميع صفوفها وتنظيم أبتاعها بإحياء خطاب مظلومية الإسلام واستهدافه من قبل الغرب وبعض الحكومات العربية، الأمر الذي يدعو، من وجهة نظرهم، للدفاع عن الإسلام بكشف الطوائف الفاسدة ومحاربة الأنظمة التي تعادي الله وتعادي الشعوب.


وفي الجهة الأخرى من الاستغلال البرغماتي، حاول البعض تبرير جريمة نيوزيلندا بتضخيم القضايا الإشكالية الإسلامية، وبتعميم مشكلات الجاليات المهاجرة من العرب والمسلمين، دون موازنتها بصعود اليمين المتطرف في الغرب والأحزاب الشعبوية، ودون الاعتراف بأن ثمة حالة متطرفة تلف العالم أجمع، ولا تقتصر على المسلمين فقط. إن تجذير خطاب المظلومية، وتعميق الشعور بالأفضلية، واحتضان الأفكار العنصرية، هي أسباب كمون الإرهاب في مواقع خفية يباغتنا منها دون توقع مسبق. ومحاسبة المتطرفين والإرهابيين هو إجراء تجميلي نهائي، ولكن العلاج الباطني لهذه الظاهرة الكونية الخطرة هو اقتلاع الأفكار المولدة لها من جذورها.