الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

إلغاء العقل لحساب النقل

أكثر ما يصيبني بالملل والسأم هو ربط عربة الإسلام، والدين عموماً، بحصان الأفكار والمواثيق والعهود الدولية، فيقال مثلاً: «إن الإسلام هو أول من دعا إلى حقوق الإنسان، وأول من كرّم المرأة، وأول من فعل كذا وكذا..» وهذا تعسف كبير، ومماحكة محفوفة بالمخاطر، واختزال مخل لمقاصد الدين، دعوة حقوق الإنسان أساساً دعوة تحريضية، ووسيلة ضغط على الدول وفقاً للأهواء والمصالح، حيث يتم الضغط على دولة ما، وغض الطرف عن ممارسات دولة أخرى، وحقوق الإنسان المعنية لا تعني سوى حقه في الخطأ والشذوذ والفوضى والخروج على النص، والقيم المجتمعية والدينية أيضاً.. فكيف تكون حقوق الإنسان بهذا الوصف دعوة دينية؟ الإسلام ليست فيه حقوق الإنسان، وإنما فيه واجبات الإنسان ومسؤولياته، وقد قدم الإسلام حلاً جذرياً لهذه الإشكالية، وهو حل لا تحريض فيه ولا دعوة للتمرد على القيم.

الحل هو: أن حقك واجبي وحقي واجبك، فإذا أديت أنا واجبي أخذت أنت حقك، وإذا أديت أنت واجبك أخذت أنا حقي، والتنازل عن الحق مع القدرة على أخذه مأجور لكن ترك الواجب وزر والله تعالى لا يعاقب من ترك حقه لكنه يعاقب من ترك واجبه، والإسلام سمَّى الواجبً حقاَّ عندما ورد في القرآن الكريم «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» (الآية 19 ـ الذاريات)، «والَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ» (الآيتان 24، 25 ـ المعارج)، أي في أموالهم واجب، والإسلام يخاطب دوماً من عليه الواجب لا من له الحق.

نحن نفكر بالنقل لا بالعقل، ونردد كلام بعضنا بلا تفكر ولا تدبر، وننسب كل ما وضعه البشر على ما فيه من غرض ومرض وهوى إلى الدين.


لقد تحولت مقولة الإسلام أول من دعا، وأولّ من فعل، إلى نغمة مملة، مثل أنه أول من كرم المرأة، ومثل ما يُسمَّى الإعجاز العلمي للقرآن، وهو إخضاع النصوص الدينية للاكتشافات العلمية التي قد يثبت فيما بعد أنها خاطئة ووهمية، فنكون قد فصّلنا الثابت والراسخ على مقاس المتحرك والمتغير هذه أزمة العرب التي لا أرى لها حلاً، هي: محاولة تديين كل شيء وربطه تعسفياً بالدين، وهي أزمة ابتدعها الإخوان محاولين بها السيطرة على عقول البسطاء، وهكذا تم إلغاء العقل لحساب النقل.