الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

المفاهيم المستقرة في فكر المتشددين!

فإن الحرب لم تضع أوزارها، فإن الإرهاب و«ذئابه المنفردة» ما زالت ناشطة، حيث ظهرت سلسلة من الهجمات الإرهابية في عدد من المدن العربية والأوروبية، والتعاطي العسكري والأمني لن يجعله يتبخر ويتلاشى، وهو ما يعزز الحاجة إلى تأطير فكري يقاوم انتشار أفكاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة.

لو كنا نحيا في عصر الإرهاب الفكري وسط أوروبا، كنا سندرك مدى الانفتاح في الفكر الإسلامي، واعتساف الكنائس وجورها مع الآخر، وضيق أفقها ما أرهب المنطق والفكر والرأي الحر، وتقليص منهج البحث العلمي والفلسفة .. حينئذ سيمتاز الوهم والزيف عن الحق؟!

ويعتبر محور الدين وجوهر رسالته هو تكريم الإنسان. فلا يصح أن نضحي بهذه القيمة السامية، إكراماً لقول فقيه أو خشية عالم يحاول بجهل أو بعلم نشر الفتنة وإثارة الاحتقانات الطائفية أو له مآرب في السعى إلى ترويج الكراهية باسم «الدين» أو ربما خرج عن انتهازية ظاهرة أو مبطنة للاستفادة من مردودها المادي والمعنوي أو من أجل الدفع بمصالحه الذاتية!


من تبعات التطرف والغلو الانحراف الفكري وحصول العنف؛ لأن التطرف والغلو مُجاوزة حد الاعتدال وعدم التوسط، التطرف ما جعل مفاهيمنا مختلة للطبيعة الإنسانية السوية، سواء من حقوق الإنسان، ومبدأ التعايش وحرية الاعتقاد والتسامح والمساواة جملة من القيم العليا تعطلت فاعليته، ليمارس إرهاباً أكثر قسوة من التنظيمات الفاشية؟!


من يكتوي بنار التطرف الإرهاب يعرف تماماً بأن من تطاول على الثوابت والأخلاق والقيم الكبرى والعمل على هدمها هم قنابل موقوتة لأوطانهم، وهذا الفكر منقطع الصلة عن ملاحقة تجربة الإنسان المعاصر نحو البناء والتنمية والتطور، ومنافية لنموذج العيش من أجل الحياة الحديثة والكريمة المتوافقة مع عصرهم الحاضر وأسهموا في نشر الظلم والقتل والصراع الطائفي، ولا بد من التعاون ومن أجل اجتثاث هذا الفكر وترسيخ كل القيم التي تبني جداراً ثقافياً قوياً في مواجهة ما تريد قوى التطرف والإرهاب نشره من أفكار مدمرة.

فالحاجة إلى خطاب توعوي مضاد يفضح خطاب التطرف، فاستعادة حقيقة الدين الحنيف وإرجاعه إلى أصوله الرحبة وبساطته التي تيسر، ومعرفة عن ماهية التشدد والتطرف في رؤية هؤلاء المغالطين المغالين، وهي دعوة لمراجعة شريحة من المفاهيم المستقرة في فكر المتشددين، ولهذا من الضرورة الكشف عن عوراته وتعرية تفاصيله، من أجل القدرة على مواجهتها.

واعتزازاً بالمنهج العقلاني الصافي من شوائب النصوص، لا بد من حصر ماهية الغلو عند الجماعات التكفيرية الضالة، وغالباً ما تنحصر فيمن عبدوا الشيطان، والمنكرين والملاحدة، ويعددون الآلهة والأوثان والأحجار، وتعلقهم بالأوهام والخرافات، وأصبحوا دهريين، وأنكروا الآخرة .. إلخ

وهي عبارة عن سياقات من المخالفات غير المقبولة بإجماع المسلمين، ومن المسلمات التي لا يمكن نكرانها، وتحت هذا العنوان تتداعى تفاصيل كثيرة، منها جمود عقول هؤلاء المتشددين عند ظواهر النصوص، ما يؤكد أن هناك خللاً في المفاهيم الفقهية والأخلاقية، فالقضية بالنسبة لهم انتقائية، ولهذا من دون الاعتدال والتوسط في التعاطي مع تديننا فلا يمكن أن يستقيم السلوك، أوتُحفظ الدماء، والأموال، أوتُصان الأعراض، ولا يتحقق الأمن بكافة جوانبه.

كما يبدوا لي بعدما قرأت عدداً من الكتب عن تعريف التشدد من رؤية سلفية متشددة، لم أحصل على نصوص واضحة عن التعصب والتزمت من زاويته الأخلاقية والسلوكية - عدا العقائد - وتنتمي جذورها الفقهية إلى الأصولية المتشددة وتتمثل في آراء هادمة حول التكفير، والباطنية والتصوف والفسوق والبدع والشرك، وبالتسلسل تصل إلى مرحلة تصنيف المسلمين، وتصفية الأمة والطائفة، الجهاد والولاء والبراء وطموح الخلافة كلها مجموعة من الأفكارتعتبر عامل جذب للمنحرفين أخلاقياً، ومن لديهم خلفيات إجرامية فيحدث لديهم امتلاء نفسي بالزهو، وسداً لعقدة النقص بما يشبع حرمانهم بالرياسة، ما يدل جلياً على مدى إغفال لدور العلم والعقل، ولم يستوعبوا من الدين غاياته ومقاصده.

وبالنسبة إلى هؤلاء الغلاة يعتبرون أنفسهم هم أهل الخيرية وخواصه في هذه الأمة «الفرقة الناجية» وهم العدول الخيار بين الأمة، وتم تأسيس منابر دعوية إعلامية براقة، لتنوب في نشر الفتاوى الضالة، واستصدار الأحكام الإرهابية، وتم تطبيق هذا النهج وترويجه من خلال تنظيم «طالبان» «القاعدة» و«داعش»، حينما كان في مرحلة وهجه الذي خبا، وبريقه الذي انطفأ!

هناك القليل الذي ينظر إلى التطرف ويحاكمها محاكمة عقلية متوازنة، وهو دون شك مرادف للغلو الذي نقده الإسلام ونفر منه وجعله منافياً للشرع القويم، فالتطرف المناخ الطبيعي للإرهاب، فهي مادة صانعة للعنف والموت، فقد استغلتها جهات خارجية ومنظمات تكفيرية جهادية على حساب التعددية والوسطية والاعتدال، فضلاً عن أن مظاهر الاعتدال ليست شريعة وعقيدة وأحكام وعبادات فقط، بل أيضاً معاملات وأخلاق وطريقة ومنهج حياة.