الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

حاَجَتُنا لنقد يكلِّم النُّصوص

حقيقة قاهرة في المجال النقدي العربي، لا يمكن التغاضي عنها، للأسف، ما يزال نقدنا العربي مدرسياً في عمومه.. يضع النظريات الأجنبية أمامه، هذا في حالة فهمه لها بشكل جيد، ثم يبدأ في العملية النقدية مثل الذي يلعب لعبة الحروف المتقاطعة، ناسياً أن النظرية كيان أنجز على نماذج نصية، ولم يأت من الفراغ، والنص كيان أيضاً يتقاطع، ويفيض عن النظرية، بحسب قوته وترسخه القوي في المخيال المحلي والإنساني. لهذا، كثيراً ما بقي النقد على حواف النصوص الكبيرة والعظيمة التي كان فيها الجهد الإبداعي كبيراً، فهو يدخلها وفق نظريات لا تتعدى المظاهر اللغوية للنص دون القدرة على التوغل فيه، لا يستقري كيف أنجز الروائي نصه ليصبح كياناً حياً يأتي إلى هذا الوجود كما لو أنه مولود خارق، بلسان وروح وعطر وجسد، وتاريخ أيضاً.

هل يكلف نقدنا نفسه وهو يشق صدر نص كبير، بالتساؤل: كم دخل فيه من أدوات مساعدة، من بقايا لغات باطنية، من تناصات آتية من بعيد، من موسيقى حديثة أو دينية غريغورية، من تراتيل كنسية، من قراءات قرآنية، أو من أناشيد تلمودية، من قصص قديم وعادات شعوب وتقاليد بلا نهاية؟.. وكم كتاب ساعد على بناء النص آت من مختلف الحضارات والثقافات؟، وهل من نظرية نقدية تستطيع أن تتوغل في عمق ذلك كله وتستخرج درره العميقة وتساعد القارئ على الذهاب بعيداً في فهمه للنصوص؟

النقد سند لفهم مغاليق النصوص الأدبية.. الذي جعل الكاتب الأمريكي فولكنر مقروءا هو النقد، والنقد الإعلامي تحديداً.. مشكلتنا الكبيرة في نقدنا العربي، ما زلنا نعتبر النقد كتاباً مقدساً لا يدخله الباطل، بينما هو سلسلة من الاجتهادات التي بنيت على النصوص أولاً وأخيراً.


أشعر أحياناً ببعض الحزن والقلق على النقد العربي الذي يفترض أن يملك زاداً ثقافياً كبيراً، لا يتوغل بعيداً في أعماق النص، ويبقى على الحواف المدرسية وأحياناً في حدود قال فلان وقالت فلانة!


يحتاج النقد العربي، إذا أراد أن يكون مرجعاً مساعداً للنصوص، أن يكلم النصوص أولاً قبل أن يكلم النظريات.. أن يتفطن إلى أن النص أسبق وأوفى من النظرية، وأن النظرية مكمل لا أكثر، طريق أو مسار موجه، فالنظريات النقدية مهمة، لكن مهمتها تنحصر في كونها مقاربات عامة قد تنطبق سطحياً على مجمل النصوص، لكننا نحتاج إلى جهاز فعل، يكلم نصوصنا الكبيرة بلغة أقوى حتى مما يكتبه الكاتب، ويعبر المساحات السرية للنصوص المكونة من الممنوعات النفسية والدينية والاجتماعية، ويجعلها تطفو، مبيناً علاقاتها السرية واللغوية في النص، وإلا سيظل النقد في واد والرواية في واد آخر.. قد لا ينطبق هذا على كل الروايات، لكن هناك نصوص تخطت عتبات الاستهلاك وراحت تبحث عن الهشاشات الإنسانية في صراعها الوجودي، بسبل أدبية متقدمة وعالمية، أعطت للنص وجوداً مميزاً يستحق أن يبحث فيه.