الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

اليمن.. أوهام الحرب وممكنات السلام

للحرب - أي حرب - أوهامها الكثيرة، فالشاعر الجاهلي - على بدائيته وبدويته - فطن لهذه الأوهام وإغراءاتها؛ فتبرم من تزينها وإغوائها، ونبه إلى مآلها الكريه وقبحها وشيخوختها.

وبعد قرون وقرون، ورغم التحضر والتطور المذهل لا تزال الحرب تمتلك طاقات الإغراء وقدرات الإغواء، ولم يزدها ازدهار أدوات الدمار ووسائل الخراب إلا مزيداً من الوقوع في حبائل الزينة القاتلة، وما الهوس بامتلاك أسلحة الدمار الشامل والقنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات إلا تعبيراً عن هذه الغواية الفتاكة.

تتخذ الحرب في اليمن أبشع تجلٍّ لهذه الغواية، والشاعر الجاهلي المخضرم عمرو بن معد يكرب الزبيدي الخبير بالغواية والمحذر منها يمني، ولكن ليس هناك من يتعظ.


الحرب أول ما تكون فتية .. تسعى بزينتها لكل جهول


بعض المنخرطين في اليمن أغراهم التفوق، وأغواهم وهْم القدرة على حسمها في أسابيع وربما أشهر، فطرف كان يعتقد أنه بامتلاك الرجال والسلاح والعناية الإلهية يستطيع الذهاب إلى أقصى مدى، وطرف آخر توهم أنه بامتلاك الشرعية والحق والدعم الإقليمي والدولي قادر على حسم الأمور بضربة لازب، وربما كان الوضع الدولي هو الآخر إغراء وإغواء أكثر منه تأييداً للشرعية أو نصراً للحق.

بعد مضي أربعة أعوام يظهر وجه العجوز الشمطاء (الحرب) المكروهة للشم والتقبيل كتصوير الشاعر عمرو بن معد يكرب، ورائحتها التي تزكم الأنوف، وتفجع الناظر.

حصاد هذه الحرب من الأرواح البريئة ومن المدنيين والأطفال والنساء عشرات الآلاف أكثر من القتلى في صفوف المقاتلين، والمشردون في وطنهم أكثر من أربعة ملايين، أما الجياع فغالبية اليمنيين، وما تبقى منهم لا ينجو من الأوبئة الفتاكة، والأزمات الطاحنة.

بنهاية الأعوام الأربعة تصبح أوهام الحسم العسكري عريانة لا تستر عورتها ورقة توت الإغواء والإغراء، ويظهر قبح الوجه البشع لحرب مدمرة أهلكت اليمن، ومزقت نسيجه المجتمعي، وفككت كياناً ومجتمعاً حضارياً يمتد لآلاف السنين.

الحرب المشؤومة لا تلد إلا حروباً أكثر شؤماً كتصوير الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى، واحتمالات السلام هي الخيار الممكن والوحيد، وإذا كان الحسم العسكري عصياً - إن لم يكن مستحيلاً - فإن السلام هو الممكن الوحيد الأسلم والآمن.

دعوات السلام في المجتمع المدني والأهلي تقوى وتتعزز يومياً، فاليمنيون شعب يدرك كارثية الحرب، ويدعو للسلام، والمجتمع يضغط لوقف الحرب، ويدعو للانتصار على الحرب بالسلام.