الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

السَّراب.. والطريق المُعَاكس

كل يوم يمضي من حياة الإنسان يفترض أن يضيف إليه خبرات جديدة، وأن يرتقي بمستوى وعيه وتفكيره.. وإن لم يحدث ذلك، فعندها سيتحول هذا اليوم إلى مجرد رقم.. لا قيمة فعلية له، وفي هذا السياق يقول جبران خليل جبران «بدأت استوعب وأفهم الآن أن سعادتي تكمن في التخلي عن المزيد، لا الحصول على المزيد».

لا أعلم في أي مرحلة عمرية توصل الكاتب جبران إلى هذه القناعة، لكنها في جميع الأحوال قناعة ثمينة وصحيحة، من شأنها في حال تطبيقها على أرض الواقع أن تُحسِّن من جودة حياة الإنسان، وتمعق تجاربه، وأن تمنحه الكثير من السعادة والاستقرار، والراحة.

فالحياة مثل البحر الشاسع، الممتد على مرمى البصر، والإنسان فيها مثل السفينة، وبمرور السنين تزداد حمولته من العلاقات، والالتزامات، والأفكار، والتطلعات، والتحديات.. وكلما زادت هذه الحمولة تباطأت حركته، وصعبت رحلته، وانخفض شعوره بالسعادة، والاستقرار، والراحة، وهو أثناء ذلك يسعى للحصول على المزيد من العلاقات، والأفكار والتطلعات، لأنه يظن أنها السبيل الأمثل للحصول على السعادة المنشودة.


غير أن الإنسان بعد انقضاء معظم العمر يُدرك أنه يمضي إلى سراب، وأن كل ما ينشده يمكن الوصول إليه عبر الطريق المعاكس، وهو التخلي عن كل ما يثقل حركته، ويشغل باله، ليعود خفيفاً كما جاء إلى الحياة أول مرة، ولا يحتفظ إلا بما يكفل له حياة بسيطة، حقيقية تسعده هو، ولا تتأثر بأفكار الآخرين.