الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لافتات لا تساوي الفتات!!

نحن نظن، ومعظم ظننا إثم، أن النفاق هو أن تكثر من مدح مسؤول أو شخص لك عنده حاجة بما ليس فيه أو تبالغ بمدحه بما هو فيه، وهذا اختصار مخل جداً لمفهوم النفاق، ولا يمكن أن يكون هؤلاء الذين يمدحون امرأً بما ليس فيه في الدرك الأسفل من النار كما قال القرآن الكريم عن المنافقين، فالنفاق مفهوم أوسع من ذلك بكثير، لأنه مركب من كذب الحديث وخلف الوعد والغدر بالعهد وفجور الخصومة وخيانة الأمانة، والأمانة ليست وديعه مالية أو عينية فقط، فالعقل أمانة والقلب أمانة والدين والقيم أمانات، والنفاق آفة عربية بامتياز وهو أبو الشرور في هذه الأمة، حيث يفسد الناس ولا يشعرون ويقولون إنهم مصلحون، والنفاق هو سبب فساد الإناء البشري العربي المسمم، لذلك يتسمم فيه أي منهج أو نظرية أو خطة.

والنفاق اختراع عربي لم يسبقنا إليه أحد من العالمين، فأقوام كل الأنبياء كانوا فريقين؛ فريق الكفرة وفريق المؤمنين، لكن قوم سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وحدهم ـ وهم العرب ـ اخترعوا الفريق الثالث؛ أي فريق المنافقين، والحق أن التعامل مع الكافر خير من التعامل مع المنافق، لأن الكافر واضح وبإمكاني تجنبه أو التحاور معه، لكن المنافق لا يمكنني تجنبه ولا يمكنني التحاور معه، وهو قادر علي أن يخدعني ويجعلني ممن ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وكل اللافتات التي يرفعها العرب وكل الشعارات التي يطلقونها نفاقية لا تحوي تحتها إلا الفتات، وكلها بلا مضامين سوى مضامين الشر والفوضى، لذلك صارت كل المعاني الجميلة معاني قبيحة عندما لاكتها الألسنة العربية، وصارت أسماء جميلة لأفعال قبيحة، مثل: الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان والإصلاح بل والدين نفسه، حتى السياسة أيضاً صارت مرادفاً للنفاق، وعندما يكذب العربي يقال إنه أجاب إجابة دبلوماسية، كما أن فجور الخصومة يتضح بجلاء في الصراعات العربية الحالية، والتي لا تبدو لها نهاية، لأنها صراعات بين منافقين، وليست بين حق وباطل، ولا بين خير وشر، شأنها شأن صراعات الفتنة الكبرى التي رفعت لافتة الدين بينما جوهرها قبلي مقيت، ولأن النفاق آفة العرب فإننا دوماً نسيء ونقول:«إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً».


فلا تسألني عن مبادئي وقيمي قبل أن تعطيني موقعاً ومنصباً ومسؤولية، وقبل ذلك لا تصدق قولي وثرثرتي، فهي مجرد لافتات لا تساوي الفتات!!.